IMLebanon

تماثيلُ التمثيل

 

 

إنتخابات، تمثيل شعبي، ديمقراطية، إرادة شعبية… عـدِّدْ لها ما شئتَ من أوصافٍ تجميليِّةٍ وتسميات، اللَّـهُمَّ إلاّ صحّـةَ التمثيل.

 

التمثيل الشعبي عند تكوينهِ التاريخي في فرنسا، كان يهدف إلى توحيد المقاطعات والإقطاعات والطبقات الشعبية من أجل توحيد الأمّـة الواحدة، والقضاء على نظام الإقطاع الذي يجزّيءُ كيانَ الشعب.

 

كيانُ الشعب عندنا، حديثُ خرافـةٍ، وكيانات الوطن والأمـة مرتبطةٌ بالمرجعيات الطائفية والإقطاعية والأحزاب المذهبية والثنائيَّات، حتّى كاد الشعب ينسى أنـه هو صاحب السلطة والسيادة.

 

منذ حـرب 1975، تمَّـتْ مصادرةُ صـوت الشعب بصـوتِ البارود الميليشياوي، وتمَّـتْ مصادرة إرادة الشعب بسطوةِ الوصاية السورية، وقبل الطائف مـدَّد المجلس النيابي لنفسه إثنتي عشرة مـرة.

 

وبعد الطائف أجـاز المجلس النيابي لنفسه أنْ يعيّن هو النواب لمـلْءِ المقاعد النيابية الشاغرة بالوفاة.

 

وظلَّتِ الإرادةُ الشعبيّة منتهكةً بفعل صناعة قوانين إنتخابية مركّبـة هندسيَّاً على قياس ملوك الطوائف وورَثَـةِ العهود، وكان أخطرها القانون الإنتخابي الحالي الذي يقسم الوطن إلى تسعة عشر وطناً في تسع عشرة طائفة.

 

وقانون الإنتخاب حسبما يعتبر علماء السياسة هو أهـمُّ من الدستور لأنـه يرسمُ الوجـه السياسي للدولة.

 

من مظاهر السلوك الإنتخابي الذي يرسم الوجـه السياسي للدولة عندنا، رحنا نشهد مواكب الإستعراضات الإنتخابية تتزاحم في الساحات بشراسةٍ ضارية لتكريس الزعامات أصحاب الصوت التفضيلي.

 

من شروط استحقاق الزعامة أنْ يُحملَ الزعيمُ على الأكتاف، يرفَـعُ علامـةَ النصر بيديهِ، ويجعل من قدميهِ مهمازاً يضرب بـهِ مَـنْ يركبُ على كتفيه، وترتفع هتافات الحناجر بالروح والـدم فـداءً للزعيم.

 

أنْ تكون المبايعةُ بالروح والـدم فهذا نـوعٌ من الإنتحار السياسي…

وأنْ يستبيح الزعيم الـروح والـدم فهذا نـوعٌ من الإغتيال الشعبي.

وعندما لا تصدَحُ الحناجر هتافاً بالروح والـدم فـداءً للبنان يصبح الزعيم الطائفي هو الوطن.

 

إذا كانت الإنتخابات في الأنظمة الديمقراطية هي استفتاءٌ يحـدّد فيه الشعب خياراته الوطنية والسياسية، فهذا الإستفتاء لا يتحقّق بواسطة قانونٍ مفخّخ… وصناديقُ الإقتراعِ تلعبُ فيها أوراقُ اللّعبِ وفي كلٍّ منها عجائبُ فانوسٍ سحري.

 

لا بـدّ إذاً، من اعتماد استفتاءٍ مـن نـوعٍ آخـر، إستفتاء شعبي مباشر يحـدّد فيه الشعب: أيَّ لبنان يريد، أيَّ دولـةٍ يريـد، أيُّ دستور وأيّ نظام.

 

الذين يلتبسُ عليهم هذا الأمـر نحيلهم فـوراً إلى عهـد الإنتداب الفرنسي وتحديداً إلى كانون الأول 1925 حين شكلّت الحكومة الفرنسية لجنـة لاستفتاء الشعب اللبناني «حـول الدستور والحكومة وتأليف البرلمان ومجلس الشيوخ واعتماد الطائفية أساساً لتوزيع المقاعد النيابية..»

 

إنها الأسئلة عينها لا تـزال صالحة حتى اليوم، إلى جانب تحديد المفهوم السيادي والكياني والإستقلالي للوطن.

 

وإلاّ، فإن استمَّرتْ محاولات اغتيال الإرادة الشعبية على هذا المنـوال، فقد نـرى أنفسنا أخيراً: أمام حـربٍ أوْ إنقلاب أوْ ثـورةٍ أوْ عصيانٍ أوْ اقتتال أو إحتلال.

 

ولا يتذرعنَّ أحـدٌ بـأنّ الإستفتاء الشعبي المباشر يُعتمد أساساً في النظام الرئاسي لا في النظام البرلماني، فنحنُ لم يعـدْ عندنا لا نظام ولا برلمان ولا رئاسات…