IMLebanon

إنتخابات 2022: المعيار في نسبة التصويت

 

تتركّز الأنظار على ما ستفرزه صناديق الاقتراع من نتائج من أجل قراءة اتجاهات الرأي العام بعد انهيارٍ غير مسبوق وثورة شعبية، وبالتالي مقاربة مرحلة ما بعد 15 أيار في ضوء هذه النتائج.

جرت الانتخابات النيابية على رغم التشكيك المتواصل بإجرائها، والذي رافقها حتى على مسافة أيام من اقتراع المغتربين. ولكن مع إقفال صناديق الاقتراع بدأت مرحلة سياسية جديدة يُعاد فيها تشكيل السلطة وانتقال كل التركيز على الاستحقاق الرئاسي خصوصاً في ظل رئاسة تجدّد إبّانها الانقسام العمودي واندلعت ثورة شعبية ودخل البلد في أزمة مالية حادة، إلا انه قبل كل ذلك تبقى الأنظار شاخصة على كيفية اقتراع الناس في أربعة اتجاهات أساسية ليُبنى على الشيء مقتضاه:

 

الاتجاه الأول، التصويت المسيحي الذي سيحدِّد هوية الفريق الذي يحظى بنسبة التمثيل الأكبر والتكتل الأكبر، فهل سيحافظ «التيار الوطني الحر» مثلاً على نسبة التصويت الأعلى داخل البيئة المسيحية أم سيتراجع مقارنة مع انتخابات 2018، خصوصاً ان الاستحقاق السابق حصل في مطلع العهد وقمة صعوده، فيما الانتخابات الأخيرة حصلت في نهاية العهد وقعر هبوطه؟

 

والتركيز في هذا الجانب سيكون على نسبة التصويت المسيحي أكثر من عدد نواب لدى كل من «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» على رغم أهمية العدد وحجم كل تكتل، لأنّ بعض النواب يُنتخبون برافعات من طوائف أخرى، والبعض الآخر ينجح ربطاً بفارق الحواصل، وبالتالي النتيجة الحاسمة ستكون للأصوات التفضيلية ولمن ستصبّ في نهاية المطاف لـ«القوات» أم لـ«التيار الوطني»، وتراجع التيار مسيحياً يعني تراجع الخط المسيحي المتحالف مع «حزب الله»، ولن يكون من السهل على هذا الفريق التعويض على تراجعه مستقبلاً لسببين أساسيين:

 

السبب الأول، لأنّ الخسارة حصلت في نهاية العهد لا أوله، وإمكانية التعويض ستكون صعبة في ظل وجود انطباع مسيحي ولبناني يُحمِّل «التيار الحر» مسؤولية أساسية في الانهيار الذي انزلقت إليه البلاد، خصوصا انه انتخب بشبه إجماع وتوفّرت له كل ظروف الحكم من رئاسة قوية إلى أكثرية وزارية ونيابية وقدرات سلطوية، وهو يغادر القصر الجمهوري على خلافٍ مع معظم القوى والشخصيات السياسية، ولن يكون للخطاب المعارض الذي سيعتمده وَقعه على الناس سوى بعد مرور زمن طويل ربما، لأنه اختبر واكتشف على مدى عهد بكامله أقله.

 

السبب الثاني، لأنّ الانطباع الشعبي السلبي لا يُحمِّل الرئيس ميشال عون حصراً مسؤولية الفشل في إدارة الدولة، إنما يحمِّل المسؤولية بنسبة أكبر لرئيس «التيار الحر» جبران باسيل، ما يعني انّ الناس لن تمنح الأخير فرصة من منطلق ان المسؤولية يتحمّلها الأول ولا علاقة للثاني بها، وبالتالي يحتاج باسيل لفترة طويلة قبل ان يستعيد الصورة التي يريدها لدى الرأي العام.

 

الاتجاه الثاني، التصويت السني الذي سيحدِّد مدى تأثير تعليق الرئيس سعد الحريري مشاركته في الانتخابات النيابية على المزاج السني، فإذا تدنّت نسبة المشاركة بحدود الـ20 % مقارنة مع انتخابات 2018 يكون هذا التعليق قد فعل فعله، وفي حال كانت المشاركة طبيعية يكون تيار «المستقبل» قد فقدَ تأثيره داخل هذه البيئة حيث ستتركّز الأنظار حيال كيفية توزُّع النواب السنة بعدما قرّر التيار الأقوى داخلها عدم المشاركة، وهذه الطائفة ستكون الوحيدة التي ستعيد الانتخابات النيابية تشكيلها سياسياً، ولكن هذا لا يمنع انّ نتيجة التصويت او عدمه ستحدِّد ثلاثة مؤشرات أساسية:

 

المؤشر الأول يرتبط بدار الفتوى ومدى قدرتها على تجييش الناس، خصوصا ان المفتي دريان توجّه برسالتين-وثيقتين حَثّ عبرهما الناخبين إلى الاقتراع، كما دعا أئمة المساجد إلى الدعوة للمشاركة الكثيفة، وذلك في ظل رهان كبير على دور المفتي دريان في المرحلة المقبلة يذكِّر بالدور الذي تولّاه البطريرك مار نصرالله بطرس صفير من خلال رعايته للقاء «قرنة شهوان».

 

المؤشر الثاني يتعلّق بالكتلة النيابية السنية السيادية لجهة حجمها وإمكانية تعاونها وتوحّدها وما إذا كانت الدعوات للمشاركة الكثيفة من أجل منع «حزب الله» من توسيع اختراقه لهذه البيئة قد فعلت فعلها.

 

المؤشر الثالث يتصل بدور «المستقبل» بعد الانتخابات النيابية خصوصاً بعد خروجه من الندوة البرلمانية، وهل يرتبط إعادة تفعيل دوره بقراءته مثلاً لطبيعة التصويت داخل البيئة السنية، أم على عناصر أخرى؟ وهل سيتمسّك بموقفه الرافض المشاركة سياسياً، أم سيُعدِّل بهذا الموقف من أجل الحد من الخسائر؟ وهل سيقيِّم موقفه المُقاطِع للانتخابات وتأثيره على وضعيته ودوره المستقبلي؟

 

الاتجاه الثالث، التصويت الشيعي حيث سيتمكّن الثنائي الحزبي مبدئياً من انتزاع الـ27 مقعدا شيعيا، ولكن المعيار في هذه الانتخابات ليس عدد المقاعد إنما نسبة التصويت لجهة ما إذا كان «حزب الله» تحديداً سيحافظ على النسبة نفسها للانتخابات السابقة أم ستنخفض نسبة التصويت بسبب ثلاثة عوامل أساسية:

 

العامل الأول يتعلّق بانتفاضة 17 تشرين التي خلافاً لانتفاضة 14 آذار اخترقت البيئة الشيعية لأنّ عنوانها المركزي حياتي الطابع أكثر مما هو سياسي، وعلى رغم رَفعها للعنوان المعيشي، إلا انها ووجِهت بالعنف والقمع، الأمر الذي ولّد اشمئزازا كبيرا على مستوى هذه الشريحة التي شعرت بأنه حتى الشعار الاجتماعي والاقتصادي والمالي ممنوع من الصرف والرفع داخل هذه البيئة، ما قد يدفعها إلى مقاطعة الانتخابات.

 

العامل الثاني يرتبط بالشخصيات الشيعية التي كانت على خصومة مع حركة «أمل» وصداقة مع «حزب الله»، والتي كانت تبتعد عن المسرح النيابي-السياسي بتَمنٍ من الحزب ووعود بترشيحها وتَبنّي مطالبها في دورات سابقة، وقد وصلت هذه الشريحة إلى قناعة بأنّ الحزب ليس في وارد تبنّيها وان الهدف من وعوده ان يضمن استمرارها تحت السقف، وهذا ما يفسِّر ترشُّح شخصيات وتشكُّل لوائح لا تختلف مع «حزب الله» حول عنوان المقاومة، ولكنها في خلاف معه حول إدارته للدولة وتحالفاته وتحمِّله مسؤولية ما آلت إليه الأمور على مستوى الطائفة والبلد، وهذه المرة الأولى التي يخرج فيها الاعتراض بهذا الشكل، ما يعني انخفاض نسبة التصويت للحزب على الأرجح.

 

العامل الثالث يتعلق بالكتلة الشيعية الصامتة التي لم تعد تتبنّى سياسة «حزب الله»، ولكنها ليست في وارد التعبير العلني تجنّباً لانعكاساته السلبية عليها، وبالتالي تتجه نحو المقاطعة التامة في رسالة اعتراضية واضحة المعالم.

 

ولا شك انّ دخول السيد حسن نصرالله شخصياً في ثلاث إطلالات متتالية في الأسبوع الأخير للانتخابات كان الهدف منه رفع نسبة التصويت كونه يدرك بأنّ الأنظار الداخلية والخارجية تتركّز على هذه النسبة بالذات، ففي حال انخفضت عن انتخابات العام 2018 يعني تراجع التأييد لـ»حزب الله»، فيما الحفاظ على النسبة نفسها يعني نجاحه في تجاوز الاعتراضات الداخلية على سياسته.

 

الاتجاه الرابع، التصويت الثوري ومدى قدرته على فرض إيقاعه والدخول كعنصر أو كلاعب جديد على المشهد السياسي المؤسساتي خصوصاً على أثر انتفاضة 17 تشرين والشعارات التي رفعت وفي طليعتها «كلن يعني كلن». وبالتالي، هذه الثورة ستكون أمام محكّ مزدوج: محكّ قدرتها على ترجمة شعاراتها والتفاف الناس حولها في بداية انطلاقتها داخل الندوة البرلمانية، ومحكّ تقديم أداء مختلف خصوصاً انّ أداء بعض النقابيين الذين انتخبوا باسم الثورة لم تشكّل ممارستهم علامة فارقة تستحقّ التوقف عندها.

 

ولا يَشذ وضع الثورة عن غيرها لجهة انّ الأنظار تتركّز على مدى قدرتها على إيصال مرشحين باسمها، ولكن الأنظار الأساسية ستبقى مركزة على نسبة الاقتراع التي ستحظى بها لوائحها في مؤشّر إلى رغبة الناس في الاقتراع لوجوه جديدة، خصوصاً في ظل صعوبة ان تخرج بكتلة نيابية وازنة بسبب ضعف تنظيمها وكون مومنتم تأييدها تراجَع بعد سنتين ونصف تقريباً على انطلاق انتفاضة 17 تشرين.

 

وفي مطلق الحالات فإنّ انتخابات 2022 هي انتخابات نسبة التصويت بامتياز، حيث انّ قراءة نتائج الانتخابات ستركِّز على نسبة التصويت مسيحيا وسنيا وشيعيا وثوريا، وعدم مقاربة البيئة الدرزية سَببه مبدئياً الثبات في التوازنات والاتجاهات التي تبقى محسومة لمصلحة «الحزب التقدمي الاشتراكي» إلّا في حال خرجت الانتخابات بمفاجآت غير متوقعة