IMLebanon

نحو حرب أهلية انتخابية

 

تحولات سريعة ومكثفة تجتاح مجتمعاتنا الوطنية المنهكة من جراء الحروب والنزاعات والاختبارات المأساوية على مدى مئة عام منذ سايكس بيكو ووعد بلفور، ولم تعرف هذه المجتمعات مرحلة من الانسياب الطبيعي او الاستقرار الطويل نتيجة استخدامها كمختبر للنزاعات وتفكك المجتمعات والعبث بالجينات الوطنية التي توالدت في اطار فكرة الدولة المستعمرة تحت الانتداب او الوصاية، حيث بقيت عملية الانصهار الوطني عصية على التكامل والتفاعل نتيجة الانكماش الذاتي لدى المكونات السياسية الطائفية واحترافها عمليات اعادة تكوين السلطة وابتكار النزاعات حول الصلاحيات والشراكات والحرمان بديلا عن الانصهار بالدولة الوطنية.

 

عاش اللبنانيون على مدى مئة عام مع الاوهام والمغالطات عبر اختصار الديموقراطية بالانتخابات النيابية المعلبة والمعروفة النتائج  نتيجة  تكوناتهم الطائفية والمذهبية والقبلية والمليشياوية والعائلية والمناطقية، بما هي كتل صلبة وغير قابلة للانصهار الوطني ومانعة لتكون المجتمع الديموقراطي الانسيابي على اساس المواطنة والعقود الاجتماعية والحقوق والواجبات وتداول السلطة، واعتبار الدولة انعكاس لوحدة المجتمع وليس المجتمع انعكاس للسلطة وادواتها وحكامها.

 

الانتخابات النيابية القادمة لن تحدث التغيير المنشود بسب طبيعة التمثيل المذهبي والطائفي وكالعادة سيكون الخاسر الاكبر هم الافراد المدنيون المؤمنون بالتغيير، في حين ان مكونات النظام الطائفي والمذهبي والقبلي والعشائري تعتبر الانتخابات النيابية مناسبة من اجل تجديد شرعيتها وعندما تجد ما يهدد ديمومتها فتعمل على ابتكار الاسباب الموجبة والظروف القاهرة الامنية والسياسية من اجل التمديد للمجلس النيابي.

 

الانتخابات القادمة لن تولد اي جديد وستكون كأنها لم تحدث، لان المجموعات الطائفية هي في حالة تأهب واستنفار وبمواجهة مجموعات لديها امكانيات مادية و فائض من التوهم بقدرتها على احتواء تمثيل الجماعات المتشرذمة التي قد تواجه احداث طارئة قبيل الانتخابات فتستعيد تماسكها وانشدادها، مما يعيدنا الى التأكيد على ان الانتخابات النيابية واحتمالاتها التغيرية عملية وهمية  ستأخذنا الى مزيد من الانكشاف والاحباط لدى الاجيال الصاعدة الذين يتوهمون ان التغيير ممكن عبر الانتخابات النيابية في لبنان.

 

لبنان بحاجة الى تشكيل خيارات وطنية جديدة تقوم على المواطنية الانصهارية في دولة لبنان الكبير واعتبار تجربة المئة عام الماضية كافية من اجل كتابة تاريخ وطني لا خلاف عليه في السياسية والثقافة والفنون والصحافة والحريات العامة والتكونات المهنية والقطاعية والنقابية، والعمل على بناء مجتمع ديموقراطي انسيابي تكاملي متجدد والخروج من أوهام المركز والاطراف ومواطني لبنان الصغير ولبنان الكبير والاوهام التاريخية والجذور الافتراضية والسعي الى تأسيس احزاب وتيارات سياسية فوق انتخابية تكون اهدافها الاستراتيجية التخلص من موروثات النزعات الاهلية المسلحة وادواتها وشعاراتها التي قوضت التجربة الوطنية اللبنانية.

 

يعرف اهل السلطة في لبنان ان وجودهم السياسي كان ولا يزال نتيجة مواجهاتهم المسلحة وان كل ما حققوه حتى الآن هو تفكيك الدولة والمجتمع والقضاء على كل اسباب الاستقرار والازدهار، وأن عموم اللبنانيين دفعوا بسببهم اثمان غالية من الارواح والممتلكات والمدخرات والنزوح واللجوء او الهجرة خارج لبنان نتيجة استجابة مكونات السلطة الى مغريات تحويل لبنان ساحة نزاعات بديلة وجعل الاستحقاقات الديموقراطية عمليات حربية وهزائم وانتصارات بعيدا عن القواعد المدنية التنافسية من فشل ونجاح، وما نشاهده من تحضيرات للانتخابات النيابية القادمة يجعلنا نعتقد اننا ذاهبون نحو حرب اهلية انتخابية جديدة.