IMLebanon

الديكور الإنتخابي» لإضفاء الشرعية على «جسد التسوية» المترهِّل!

بعد تبخر أحلام الربيع العربي

 

 

بين الربيع العربي الذي يعتبر العام 2011 ميلاده والانتخابات النيابية في بلدان المنطقة، لا سيما العربية منها ما هو مشترك، ويتعلق برهان شعبي على اعتبار تظاهرات الشعوب في الساحات والشوارع، التي بدت وكأنها تشبه الانتفاضات السلمية أكثر من أي شيء آخر محطة موعودة، وكأنها حاسمة في وعدها، لجهة النظر إليها بصفتها محطة تغيير، نحو الأفضل، سياسياً الديمقراطية، بما تعني من تجديد الطاقم السياسي، وتداول السلطة، وعدم تأييد الممثلين، واجتماعياً، إيجاد فرص ربما تكون متكافئة لجهة العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات، لجهة الضرائب وفرص العمل والمساواة أمام القانون، ومرجعية سلطة القضاء في انصاف المواطن وإيصاله إلى ما له بعيداً عن العنف الجسدي أو الكلامي أو أي شيء آخر يشبه العنف، أو ينتهي إلى بيئة كالإرهاب مثلاً والتمرد على القانون..

وعلى الكفة الأخرى للمشهد، بدت الانتخابات، في بلدان ما بعد الديكتاتوريات، ينظر إليها كمحطة من محطات التغيير أو التعبير عن الآمال أو التوصُّل إلى تحقيق الأهداف الأصلية لحراك الربيع العربي، في أيامه الأولى، أو ربيعه، قبل أفول نجمه وخريفه: المواطنة، الديمقراطية، التغيير، محاربة الفساد، فرص العمل، السلم الاجتماعي والأهلي.

هكذا، نظر إلى الانتخابات في بلدين عربيين كبيرين هما: مصر والعراق على سبيل المثال لا الحصر..

في موسم الانتخابات، التي ستجري بعد أيام قليلة في العراق، والانتخابات الرئاسية في مصر، والاستعدادات الجارية للانتخابات النيابية في لبنان في 6 أيار المقبل، بعد عقد على عدم إجرائها.. كتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» الخميس الماضي في الأوّل من الشهر الجاري، ان حقيقة باتت قائمة بأن قلة فقط تهتم بنتائج هذه الانتخابات لأسباب ذات صلة باحتدام الصراعات الطائفية، وهيمنة الاستبداد بعد فترة وجيزة من آمال بولادة الديمقراطية في الشرق الأوسط لم تدم طويلاً.

وتنعت الصحيفة الأميركية الانتخابات هذه بأنها أصبحت بلا معنى، ذلك لأن الطبيعة الممزقة للمجتمعات وسلطة الميليشيات المسلحة تجعل نتائج الانتخابات أمراً ثانوياً مقارنة بعملية عقد الصفقات بين الفصائل الطائفية والسياسية (لبنان والعراق).

لا حاجة للخوض في التحليلات والقرارات للانتخابات في بلدان عربية غير لبنان، فالمهم كيف تتظهر صورة المشهد الانتخابي اللبناني، وإلى أين يُمكن ان يسير، أو عمّا سيتمخض.

تتشارك قوى سياسية عديدة بأن «التسوية الرئاسية التي قضت بـ: 1 – انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، 2- إعادة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة مجلس الوزراء، 3 – التعايش بين الحريري وحزب الله في حكومة واحدة، لا قيمة للاسم الذي يُطلق عليها، هي السقف الذي يحكم الحراك السياسي الانتخابي، في ظل قانون انتخابي، يدخل إرباكات على عملية الانتخاب بحد ذاتها لدرجة ان رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط (الذي اخرجته فكرة توريث نجله تيمور للزعامة الجنبلاطية من الحياة النيابية) جاهر بأنه لا يفهم هذا القانون، واصفاً الصوت التفضيلي «بالإختراع الرهيب» من دون ان يشرح ما يقصد بذلك، لكن «الرهابة» (وليس الترهيب) تعني البعد الطائفي في الانتخابات، فضلاً عن القرارات السياسية بترشيح هذا وانتخاب وإفشال سواه..

في «التسوية الرئاسية» حضرت الولايات المتحدة، ومعها الغرب الكاثوليكي، ممثلاً بفرنسا (بلد الانتداب خلال الحرب العالمية الثانية)، وحضر الاتحاد الروسي، والمملكة العربية السعودية وإيران. وهذه الدول أيضاً تحضر في الانتخابات الانتخابية..

وتأتي الانتخابات اللبنانية، على وقع حروب طاحنة في سوريا والعراق واليمن، وتدخلات دولية وإقليمية، من شأنها ان تعيد رسم خطوط تماس جيوسياسية في عموم عواصم العالم العربي، بين «إرهاب» و«حرب على الإرهاب» وحرب نجوم جديدة بين الدولتين العظميين، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الروسي، الذي تراود رئيسه فلاديمير بوتين أحلام العودة الكبرى إلى (الاتحاد السوفياتي العظيم السابق).

على بعد أقل من شهرين، يذهب بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة، ومعه خرائط «الجيوبوليتكيا» المتكونة على امتداد ما يسميه «النفوذ الايراني» العسكري في الجولان ولبنان، وحتى العراق، البعيد جغرافياً عن إسرائيل.

في الزيارة، بحث في مسارات الأحداث والوقائع الجديدة: أسلحة، ذخائر، تبادل معلومات، وضع احتمالات عن الحرب ومداها واسلحتها ونتائجها، والدور الأميركي، وحدود الردع الروسي.. وصواريخ حزب الله..

في معادلة من هذا النوع، ومع ان الانتخابات النيابية، لا تعدو كونها محطة من محطات إعادة اختبار قدرة القوى الطائفية اللبنانية الثلاث: الموارنة (التيار الوطني الحر)، السنّة (تيّار المستقبل) والشيعة (حزب الله) على إعادة إنتاج التسوية، أو تجديدها، ولكن المسألة تتصل بالنسب وليس بجوهر الاستقرار، الذي ما يزال مطلوباً.. في المعادلة هذه، فإن الرهان يتجدد على حكومة برئاسة الحريري، بعد 6 أيار، يتمثل فيها حزب الله أيضاً.

لا تغيير في معادلة السلطة الجديدة.. ولا تغيير في الطواقم الانتخابية (المسماة الكتل البرلمانية)..

وعليه، يصبح السؤال مشروعاً: لِمَ الانتخابات، إذاً؟

بدأت همّة التغييريين تفتر، وبدت اللعبة الأكبر أكبر من صناديق الاقتراع، ولوائح الشطب، والتحالفات، وقانون النسبية..

في الانتخابات، التي تقترب من ان تكون شكلية، أو «ديكورية» (Decoriste) لإضفاء طابع الشرعية على جسد مترهّل، مثخن بجراحات الفساد، وسوء الإدارة، والمديونية، وانعدام فرص العمل, والنفايات وسوء التغذية بالتيار الكهربائي, تمضي عاصفة إعادة إنتاج السلطة، وتتعثر معها محاولات التغيير تماماً كما حصل، مع الربيع العربي..