IMLebanon

تعرفة الكهرباء تلحق بـ”ركب” الدولار… وترخي بثقلها على كاهل الناس  

 

ستتساوى مع ما يتقاضاه 80% من المواطنين آنياً وتزيد عنه باضطراد مع استمرار انهيار الليرة

 

كل طرق الأزمة الأساسية والفرعية تقود إلى زيادة الأعباء المادية على المستهلكين، من دون أن تنعكس هذه الزيادات إيجاباً على ميزانية الدولة أو على إنتاجية مؤسساتها. الأمثلة كثيرة، إلا أن أكثرها إثارة للتساؤل هو الجدوى من رفع تعرفة الكهرباء بنسبة 20 ضعفاً أقله، استناداً إلى توقعات بزيادة التغذية بأقل من الضعف.

 

رفع الدعم عن تعرفة الكهرباء العصية عن التغيير منذ مطلع تسعينات القرن الماضي أمر محتوم. فهي ما زالت محددة على شطر الاستهلاك الذي يقل عن 100 كيلواط بـ35 ليرة لبنانية، أي 0.001 دولار على سعر صرف السوق الحالي. وهي تتدرج صعوداً لتصل إلى 200 ليرة لبنانية للشطر الذي يفوق 500 كيلواط أي 0.006 دولار. من البديهي أن هذه الأرقام خيالية، لكن من الجهة الأخرى فان رفع التعرفة بين 16 و34 مرة لتأمين 6 ساعات تغذية فقط، سيجعل 80 في المئة من اللبنانيين يخصصون كامل دخلهم لتسديد فواتير الكهرباء.

 

محاكاة الواقع كارثية

 

بمحاكاة للواقع فان متوسط الاستهلاك المنزلي يبلغ 200 كيلواط شهرياً ستنقسم عند هذا المستوى من التغذية بين 50 كيلواط من كهرباء الدولة و150 كيلواط من المولد. وعند هذا المستوى من الاستهلاك تبلغ كلفة كل كيلواط من كهرباء لبنان حوالى 1000 ليرة، يضاف اليها رسم العداد الذي سيرتفع أيضاً من حوالى 10 آلاف ليرة إلى حدود 300 ألف ليرة، أي بنسبة 30 ضعفاً فتصبح قيمة الفاتورة حوالى 350 ألف ليرة. أما فاتورة المولد فستبلغ مع تعرفة لا تقل عن 10 آلاف ليرة على الكيلواط حوالى 1.5 مليون ليرة. بالمختصر فان متوسط ما ستدفعه الأسر سيتراوح بين 2 و2.5 مليون ليرة، أي قرابة ما يتقاضاه ثلثا الشعب اللبناني.

 

الحلول غير قابلة للتطبيق آنياً

 

ما اجترحته الحكومة الحالية، في ما خص رفع انتاج الكهرباء من حدود 400 ميغاواط، لا تؤمن أكثر من ساعتين في 24 ساعة، إلى 1000 ميغاواط تقريباً، تؤمن بين 4 و6 ساعات، هدف إلى “عدم اتساع الفجوة أكثر stop gap”، برأي الخبيرة في مجال الطاقة وتمويل مشاريعها كارول عياط، فـ”هذان الإجراءان اللذان اعتمدا على تأمين 400 ميغاواط من الغاز المصري إلى معمل دير عمار، وما بين 200 و250 ميغاواط من استجرار الكهرباء من الأردن، لم يكونا الانسب سابقاً، إلا أنهما يكتسبان أهمية كبيرة بالنظر إلى الواقع الطارئ الحالي. فالهدف منهما كان اعطاء المعنيين بعض الوقت للبدء بتنفيذ الاصلاحات والحلول الدائمة”.

 

المشكلة التي تواجه قطاع الطاقة اليوم تتمثل في العجز على تذليل العراقيل التي تواجه الحلّ الآني من جهة، وشبه الاستحالة للانتقال إلى الحلول الدائمة لزيادة الانتاج من الجهة الأخرى، يقابلهما إصرار على رفع التعرفة. وبحسب عياط فان هناك 4 عراقيل تواجه استقدام الغاز المصري واستجرار الكهرباء الأردنية وهي:

 

– العقوبات الأميركية على سوريا وإمكانية تعرض كل من مصر والأردن ولبنان لقانون قيصر في حال عدم تذليلها سياسياً.

 

– تخفيض الهدرين التقني وغير التقني، واللذين يتجاوزان 45 في المئة. فهما يفقدان إمكانية الاستفادة من نصف كمية الإنتاج المضافة.

 

– الاتفاق على سعر الصرف، ودرس إمكانية مصرف لبنان تأمين الأموال بالدولار على سعر منصة صيرفة لشراء الطاقة.

 

– ضرورة انعقاد مجلس الوزراء لاقرار اتفاقية القرض مع البنك الدولي لشراء الطاقة، ومن ثم تأمين التوافق السياسي في مجلس النواب لاصدار الاتفاقية بقانون.

 

الشروط الأربعة تبدو لغاية اللحظة صعبة المنال، و”ليس هناك من دلائل إيجابية تؤشر إلى إمكانية تذليل هذه العقبات مع مطلع هذا العام”، من وجهة نظر عياط. و”ذلك على الرغم من أن وفد البنك الدولي يتهيأ لأخذ موافقة مجلس الادارة على قرض المساعدة الطاقوية للبنان. وهذا ما يستلزم في المقابل من الجانب اللبناني الإلتزام بالشروط الاصلاحية الموضوعة والتي منها تعديل التعرفة والجباية وتخفيض الهدر وتعيين الهيئة الناظمة، وإلا فان القرض معرض للتوقف عند أي خلل او سوء في تنفيذ الاتفاق في حال اتمامه بنجاح”.

 

زيادة التعرفة وحدها لا تكفي

 

أمام هذه التحديات يبدو أن زيادة التعرفة راهناً مع العجز عن رفع الانتاج سترهق المواطنين ولن تحل أزمة الكهرباء. وحتى أن زيادتها بمعدل ساعتين أو ثلاث غير كافية للحلول مكان المولدات الخاصة. الأمر الذي يحتّم من وجهة نظر عياط “الانتقال إلى الخطة الشاملة التي لا تقتصر على الكهرباء فحسب، إنما أيضاً على تأمين الحماية الإجتماعية للمواطنين وتحييد الأكثر فقراً منهم أو ذوي الاستهلاك القليل، من التعرفة المرتفعة بشكل يجعلهم لا يشعرون بالزيادات”. من دون أن يعني هذا بطبيعة الحال، برأي عياط، “اشتراط تنزيل كل الخسارات دفعة واحدة قبل رفع التعرفة. إنما أقله تخفيض الهدر، وزيادة ساعات التغذية بمعدلات مقبولة. إذ لا تجوز زيادة التعرفة وهناك خسارات على الشبكة وفي الجباية بنسبة 45 في المئة، وألا تكون كهرباء الدولة تشكل بديلاً للكثير من الأسر والأفراد عن اشتراك المولدات”.

 

الأمن الطاقوي الذاتي ليس بديلاً

 

أمام ما تقدم يظهر أن اللبنانيين يسيرون بخطوات متسارعة نحو الأمن الطاقوي الذاتي، حيث تفقد الكهرباء المركزية مبرر وجودها. فمن جهة هناك الأحياء الخاصة ومن جهة ثانية الاتكال المتزايد على الطاقة الشمسية حيث بلغت الكمية الفردية المنتجة من الألواح الشمسية لغاية نهاية 2021 حوالى 100 ميغاواط. بيد أن المشكلة، برأي عياط، أن الطاقة الشمسية الفردية على أهميتها تواجه 3 مشكلات اساسية:

 

– لا تزال خارج متناول الكثير من شرائح المجتمع نتيجة تكلفتها المرتفعة.

 

– صعوبة تركيبها في الكثير من الأماكن وتحديداً في البنايات السكنية.

 

– لا تشكل بديلاً كاملاً عن الاشتراكات الخاصة.

 

من هنا فان المطلوب لتوسيع الاستفادة من هذه الثورة الطاقوية تشريع القوانين التي تسمح للقطاع الخاص بانشاء محطات الانتاج الكبيرة على الطاقة الشمسية ووضعها على الشبكة، وبيعها للمواطنين private to private بشكل قانوني.

 

“هناك انهيار تام لكهرباء لبنان والتسلي بلعبة “kick the can down the road”، بما يعني من اعتمادٍ للحلول الجزئية والهروب إلى الأمام انتهت مدة صلاحيته”، تقول عياط. و”لا مهرب من الاصلاحات الاساسية في القطاع. وإذا لم يتم الانتقال بأسرع وقت ممكن نحو الحلول الشاملة فان الجدال ومعارضة رفع التعرفة لن يعود ينفع إن لم تكن هناك كهرباء في الأساس”.