IMLebanon

“خوش أمديد” أسعد نكد توقع “كهرباء زحلة” تحت ديون سياسية ثقيلة

 

بدت لافتة في الايام الأخيرة بمنطقة زحلة ومحيطها، “التشكّرات” التي رافقت تسلم بلديات ومؤسسات كميات من المازوت الإيراني الداخل الى لبنان عبر قنوات “حزب الله” ومعابره غير الشرعية، المستخدمة أيضاً في عبور البضائع والمقاتلين.

 

فقد تقصّد “حزب الله” تصوير القيمين على بعض هذه المؤسسات، وإبرازهم في تسجيلات نشرت على نطاق واسع، تضمنت مغالاة بعبارات التبجيل، لتأكيد فضله على هذه المؤسسات بتأمين مادة المازوت، وبسعر أقل من سعره المحرر اخيراً.

 

آخر هذه التسجيلات ظهر فيها مدير عام شركة كهرباء زحلة، وهي الشركة التي “تحتكر” خدمة الكهرباء في المدينة و16 بلدة بقاعية، وتضم خليطاً من الإنتماءات الطائفية والحزبية والميول السياسية. حيث أثارت عبارة “خوش أماديد” التي استخدمها أسعد نكد، وهي عبارة إيرانية تعني “أهلا وسهلا” موجة من ردود الفعل المستهجنة، خصوصاً أن شركة كهرباء زحلة ستدفع ثمن هذا المازوت، ولو بكلفة أقل من كلفته الرسمية، حددها “حزب الله” بـ 140 ألف ليرة وفقاً لما كشفه نكد في الفيديو المسجل له، بخلاف التقدمة المجانية التي استفادت منها بلدية الفرزل لتشغيل مضخات بئر المياه الذي يروي البلدة، وأثارت بدورها ردود فعل مستنكرة على تشكرات رئيس البلدية ملحم الغصان “المغالي بتشكراته” أيضاً.

 

لم يتضح بعد الهدف من التسجيلات التي رافقت توزيع مادة المازوت على الراغبين بالإستفادة منه. إنما وفقا للمصادر، فإن “حزب الله” حاول في كل البلدات التي دخلها لإستطلاع حاجتها، أن يكون ذلك عبر مفاتيح له، ظهروا قابضين على سير العملية، بما يضمن له المكاسب السياسية في البلدات والمؤسسات التي ستستفيد من “قوافل كسر حصار إيران”. وعليه، فإن جهات كثيرة قبلت بهذه “التسوية” فيما رفضتها جهات أخرى، بعدما قرأت فيها محاولة لفرض الهيمنة السياسية، عن طريق إستغلال أوجاع الناس وحاجتهم الملحة للمحروقات على أنواعها.

 

غير أن خطورة التسجيلات المصورة وفقاً لهذه الجهات، تكمن اولاً في إسقاطها جميع المخالفات التي شابت تحدي إحضار المازوت الإيراني الى لبنان، وبالتالي شرعنة واقعه غير القانوني على الأراضي اللبنانية، مع الإعتراف بسطوة “حزب الله” كسلطة متحكمة بالمادة وتداولها.

 

فبصرف النظر عن العنوان العريض لإحضار المازوت الإيراني، فإن هذا المازوت الذي ستستفيد منه شركة كهرباء زحلة، دخل لبنان عبر معبر “حوش السيد علي” في الهرمل، وهو معبر غير شرعي لطالما ذاع صيته في تهريب المحروقات اللبنانية المدعومة بالإتجاه المعاكس نحو سوريا، ما يؤكد قبض “حزب الله” تماماً على هذا المعبر “وعلى عينك يا دولة”.

 

ثانياً: إثر دخول المازوت الإيراني، غابت الدولة وأجهزتها عن الصورة تماماً، وهي لا تزال غائبة حتى ولو فقط لضمان سلامة مرور هذه المواد يومياً من بوابة الهرمل.

 

ثالثاً: تصرف “حزب الله” حيال هذا المازوت كآمر وناهي. فهو الذي قرر طريقة توزيعه، وهو الذي اختار المؤسسات المستفيدة، وهو الذي يحدد الكميات، والسعر. وفي ظل واقع المحروقات المأزوم الذي وقع فيه لبنان نتيجة لسياسات الدولة، وللتجارة غير المشروعة بالمحروقات المدعومة، وجدت أطراف كثيرة، وحتى من تلك غير الموالية لـ”حزب الله”، أنها مضطرة للقبول بهذا المازوت، لا بل أنها ستحاول أن تكون من المحظيين بالإستفادة منه، بالرغم من كل علامات الإستفهام التي لاحت حوله.

 

إلا أن خطوة شركة كهرباء زحلة بقبول المازوت الإيراني، بدت الأكثر خطورة، خصوصاً أن الشركة ستستفيد من كميات كبيرة منه، حددت كميتها وفقاً لقنوات “حزب الله” أيضاً بنحو ثلاثة ملايين ليتر، ستتسلمها الشركة تباعاً بمعدل 100 ألف ليتر يومياً، أي نحو نصف الكمية التي كان نكد قد أعلن عن حاجته لها لتشغيل مولدات الشركة، في ظل إنعدام تغذية مؤسسة كهرباء لبنان، وهو ما يضع تشغيل مولدات الشركة رهن توفر المادة بإستمرار، ما يعزز موقع “حزب الله” في فرض شروطه على الصفقة التي تمت مع الشركة.

 

وهذه الكميات التي ستشتريها الشركة بمبلغ 140 ألف ليرة للصفيحة، حتى لو كانت ستدفع بالعملة اللبنانية وفقا لما كشفه نكد في الفيديو المسجل له، وستخفض كلفة الإنتاج في الشركة، تبقى محكومة وفقاً لعقد الإستثمار الذي حصلت عليه الشركة بتسعيرة وزارة الطاقة. فهل ستحافظ على هذه التسعيرة، أم انها ستعتمد تسعيرة تحدد سقفها قنوات “حزب الله”، كما جرى مع أصحاب المولدات في بعلبك مثلاً، أو أن وزارة الطاقة ستقوم بهذه الحسابات؟ وفي جميع الحالات تكون الدولة خضعت لهيمنة الحزب على قرارات الشركة ومقدراتها، إنطلاقاً من موقع المتحكم بالمادة الاساسية الحيوية التي تحتاجها من أجل زيادة التغذية لمشتركيها.

 

لم تناقش شركة كهرباء زحلة قرارها بالإستفادة من المازوت الإيراني، أو تطرحه على الرأي العام الزحلي والبقاعي، وتسمح للصحافيين بنقل كل الهواجس والأسئلة للإجابة عليها بشفافية. فشابت خطوتها شائبة الوقوع في تصرف “الإعلام التوتاليتاري” الذي مورس عليها من خلال حصر الإعلان عن “الصفقة” بقناة “المنار”، الى جانب الفيديو المسجل لنكد من بين سلسلة تسجيلات الشكر الأخرى الموقعة باسم “نسيم”، والتي قيل فيها فقط ما هو مسموح بقوله.

 

فيما ردود الفعل على ما أقدم عليه نكد منفرداً بقيت على المستوى الشعبي، ولم تتعدّاها الى مستوى القيادات الحزبية ونواب المنطقة، وحتى بلدياتها التي لاذت كلها بالصمت، فيما يشبه التواطؤ لتمرير الصفقة خصوصاً أن الشارع بدا منقسماً حيال خطورة هذه الخطوة وتداعياتها المستقبلية، فيما هو مجمع على الحاجة لإستعادة ميزة التغذية المتواصلة وإن بدا أن ثمنها السياسي هذه المرة مرتفعاً جداً.