IMLebanon

صندوق أسرار الفرزلي

 

لا تعود الذاكرة إلى إيلي الفرزلي وهو يساهم بتهشيل ميشال عون من برنامج فيصل القاسم، إلا وتتمازج مع الحاضر حيث يواظب الفرزلي على تعرية عون ووريثه حتى الثمالة. لا جواب للسؤال عن السبب الذي أملى على الفرزلي ليكون شريكاً في صناعة عون ما بعد العام 2005، سواء في مشاركته في «خلية السبت» التي ساهمت بانتخاب عون رئيساً للجمهورية، أو في صوته الجهوري الذي روّج بالكثير من المبالغة، لبطل استعادة حقوق المسيحيين، أو في مكيدة القانون الأرثوذكسي الذي مهّد بها الفرزلي لسحق خصوم عون المسيحيين، وكلها إضافات. لم يكن شعبوياً كميشال عون أو مراهقاً شغوفاً بالسلطة كجبران باسيل، لكن الفرزلي الذي راهن على عون الممانع، كرافعة له ولأمثاله، اعتقد انه أكثر دهاء من عون وفشل، فعون يعرف كيف يزيح كل من يشكل أي خطر عليه وعلى صهره، والأمثلة كثيرة، والضحايا كثر.

 

كشف الفرزلي مراراً أنّ الخلاف مع باسيل كان على مبدأ إقصاء الرئيس سعد الحريري، لكن ذلك الكشف جانب الحقيقة ولم يصبها. فالخلاف أعمق، لأنّ الفرزلي ومهما كان انتماؤه حاداً إلى محور الممانعة، لم يفقد ذرة المنطق والعقل، ولهذا هجر العونية السياسية وهجرته، تماماً كما هجرت كل من يمتلك ذرة منطق.

 

في صندوق الفرزلي الكثير من الكشوفات والكثير من البوح، وآخر ما باح به، كلامه عن أنّ اتفاق توقيع الترسيم البحري وقّع في مكتب اللواء عباس ابراهيم، مع المندوب الأميركي آموس هوكشتاين. أضاف الفرزلي أنّ ذاك الاتفاق تم تأجيل الإعلان عنه، لإعطاء ورقة قوة للمرشح الاسرائيلي لابيد كي يفوز على نتانياهو.

 

جميل كلام الفرزلي ومعبّر وصريح. هو يقول بالفم الملآن إنّ اللواء عباس ابراهيم مندوب الثنائي وممثله، هو الذي أقر اتفاق الترسيم وليس الجالس في قصر بعبدا وصهره، الذي أعطِي من «الحزب» امتياز الاعلان المتأخر عن توقيع الاتفاق، على سبيل الترضية.

 

يقول الفرزلي أيضاً في هذا البوح إنّ صاحب القرار في لبنان هو السيد حسن نصرالله، وإنّ القرار اتخذ بمساعدة لابيد على الفوز، ويختم بالإيحاء أنّ باسيل وعون مجرد لاعبين على طاولة الشطرنج، حتى الوصول إلى اعتبارهما أقلّ شأناً من المدير العام للأمن العام، الممثل الشرعي والوحيد لثنائي «أمل» و»حزب الله».

 

صندوق الفرزلي مليء بالأسرار والاستنتاجات. يستطيع أن يعطي الخلاصة لسنوات طويلة من معايشة عون وصهره الفتي. منذ العام 2005 وإلى اليوم لم يترك الفرزلي الرابية وتالياً بعبدا، لتعتب على غيابه. لم يترك منبراً الا وملأه نشيداً ببطل استعادة حقوق المسيحيين. لم يترك محفلاً الّا ونثر فيه بعضاً من أدبياته المفخمة، عن أهمية عون في تاريخ المسيحيين منذ العام 1860 وإلى اليوم.

 

صحا الفرزلي فجأة. فبات يبشّر بخطورة مشروع عون على المسيحيين. عاد إلى إحياء حلقته التلفزيونية الشهيرة مع فيصل القاسم حين دفع ميشال عون إلى نزع الميكروفونات من أذنيه بطريقته «الرصينة المعتادة». يومها ضحك الفرزلي على الهواء ساخراً، لكنّه اليوم يحاول أن يمحو من تاريخه «لوثة» ما مارسه من تبجيل بحق عون، وهو نفسه يدرك كم أنّ هذا التبجيل، كان حبراً أريق من مكبّر للصوت على فقاعة سيلفظها التاريخ.