IMLebanon

الإمارات ولبنان…. رحلة ربع قرن

نصف قرن على إنشاء دولة وربع قرن على تدمير دولة

 

بمناسبة العيد الخمسين لدولة الإمارات العربية الزاهرة. نعيد نشر المقال الذي كتبه العميد الركن الدكتور هشام جابر في الصحف في 8-10-2015 عن المغفور له الشيخ زايد والدولة التي بناها ومقارنة مع دولة لبنان التي تفككت.

 

عام 1990 وتحديداً في شهر آذار(مارس). كان لبنان قد وصل الى بوابة الخروج من حرب الخمسة عشر يوماً. عيّن العماد اميل لحود قائداً للجيش، واختار مقراً لقيادته في منطقة «سبينس» مقر امن الدولة حالياً.

 

كنت في حينه قائداً للمركز العالي للرياضة العسكية برتبة عقيد. تلقت القيادة الجديدة للجيش بعد الطائف، دعوة ربما كانت الاولى للاشتراك بإفتتاح مباراة عسكرية رياضية، في دولة الإمارات العربية المتحدة. تشترك بها ست عشرة دولة عربية. وكلفني حضرة العماد، برئاسة الوفد اللبناني الذي إقتصر على ثلاثة ضباط دون رياضيين، او لاعبين، ولا من يحزنون او يفرحون.

 

غادرنا بيروت مساء يوم داكن أغبر، من مطار حالته تُبكي العدو قبل الصديق. فوضى، وقذارة، وكهرباء تنقطع ليبدأ مولد هزيل بأنوار خافتة. وجنود سوريون ولبنانيون وحقائب مكدسة. لنصل الى مطار ابو ظبي حيث الانوار ساطعة كالشمس، وبلاط يلمع كالمرايا، وتنظيم لافت، ولولا العقال والكوفية لأعتقدت انك في مطار شارل ديغول.

 

كانت الحفاوة بنا مميزة رغم اننا كنا اصغر الوفود عدداً، وكانت اول مرة تطأ قدماي ارض دولة الإمارات، الدولة الشابة ذات العشرين ربيعاً في حينه. وقضينا خمسة ايام في فندق «هولدي إن» في أبو ظبي، قبل الانتقال الى مدينة العين حيث حفلة تخريج ضباط كلية زايد العسكرية، ولقاء مع رئيس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله».

 

كان مدير عام الفندق، لبنانياً،  شأن معظم الفنادق في أبو ظبي، وكانت مبادرته الاولى إستبدال الغرفة المخصصة لي بجناح رحب مع سلة ورد، واخرى مليئة بالفاكهة. كما اكرمنا السفير الصديق زهير حمدان بعشاء اقامه في منزله دعا اليه اركان الجالية.

 

مدينة العين بنيت في صحراء قاحلة واصبحت خضراء وارفة. انتقلنا اليها ونزلنا في فندق «انتركونتينانتل» لأجد تكريماً مميزاً كما في أبو ظبي. سألت عن المدير العام المستر Loranzo لأشكره بالإنكليزية، لأنني لا اجيد الإيطالية «فيجيبني مرحباً» بلهجة بيروتية، ويقول انه لبناني ولد في رأس بيروت، من أب إيطالي الأصل.

 

عجايب!!.. ولم ينحصر الحضور اللبناني من خلال رجال الاعمال، ومدراء الفنادق، والشركات بل تعدّاه الى الموسيقى. فقد فوجئت بأن الموسيقى العسكرية التي سار عليها الضباط المتخرجون جاءت على نغم «بكتب اسمك يا بلادي» للفنان الصديق «جوزيف عازار» ومن تلحين الموسيقار الموهوب «ايلي شويري»، تبعتها «هرولة» القوات الخاصة على لحن نشيد «صف العسكر طالع يسهر فوق جبال»، من غناء وتلحين «ايلي شويري» ايضاً.  شعرت بالفخر سيما وكان لي دور في رعاية وإنتاج، هذين النشيدين عندما كنت مسؤولاً عن الإعلام في قيادة الجيش.

 

تقدم رؤساء الوفود قبل الغداء للسلام على رئيس الدولة. عندما تقدمت وعرَّفت عن نفسي ومن أين أتيت. إستوقفني بود مميز وسأل عن لبنان، واحوال لبنان وبيروت والناس…الخ. كما حرص «طيب الله ثراه»،  ان اجلس على مائدة الغداء مواجهاً له وكان يحيط به حكام الإمارات حيث استكمل حديثه عن لبنان وفوجئ بحبور بأن الموسيقى العسكرية هي من تلحين موسيقار لبناني. وردد اكثر من مرة «زين لبنان زين».

 

ربع قرن مضى، ومضى الشيخ زايد الى رحاب الله وقد زرت خلالها هذه الدولة مراراً، وفي كل مرة أرى تقدماً وتطوراً مذهلاً.

 

و«دبي» التي زرتها حينها، لم يكن عدد فنادقها يزيد الا قليلاً على اصابع اليد، أما اليوم فلا عد ولا حصر. وتذكرت حكاية رواها لي المرحوم الشيخ حسن هرموش صاحب أول فندق في دبي في مطلع الستينات، واقنع حاكمها المرحوم الشيخ راشد المكتوم، بإعطائه رخصة تقديم الكحول سيما وأن رواده من الاجانب. فقامت قيامة بعض الشيوخ وزاروا الحاكم فأجابهم مختصراً: من يبي(يبغي) منكم الجنة يروح الجامع، ومن «يبي» جهنم والنار يروح هرموش…..

 

الإمارات متحدة في دولة ناهضة، مسرعة في النمو. إنما لكل امارة خصوصيتها. ودبي التي لا تملك النفط، امتلكت الارادة. وبها خليط من شعوب الارض. وقد اخبرني الصديق الوزير محمد القرقاوي الذي تولى لسنوات شركة دبي القابضة التي تملك عشرات الشركات، كيف بنى مدينة دبي للإعلام دون دفع درهم واحد. فقط فكرة وتوجيهات الحاكم محمد بن راشد، وارض قدمتها الامارة وخرائط اعدها خبراء. مصارف تزاحمت لتقديم التمويل واكثر من 120 مؤسسة اعلامية اشترت على الخريطة.

 

ربع قرن مضى على الزيارة الاولى وربع قرن مضى على إتفاق الطائف، وإعادة بناء الدولة في لبنان. فأين أمست الإمارات وأين أصبح لبنان؟

 

فقط عادت الأنوار تلمع في مطار بيروت، كما يلمع الذهب في جيوب المستفيدين من خيراته. وعاد وسط المدينة إنما بشكل لا يشبهه وبلباس لا نألفه. ورزحت الدولة تحت ديون تفوق الـ 75 مليار دولار لقاء بعض الجسور، والأنفاق، وكهرباء لا وجود لها، وبنى تحتية بدأت تتآكل.

 

هنالك امراء تكاتفوا وتضامنوا على انتاج الكعك الذي يأكله الجميع ويكفي الدولة والمواطن والمقيم والزائر. وهنا امراء اتفقوا على تقاسم الكعك حتى قبل ان ينضج. فهم واولادهم وحاشيتهم واتباعهم. اولى به من الدولة والشعب معاً. ويسألون بغباء او استغباء: لماذا هذا الحراك؟ ويسأل احد «فروعهم» على طريقة ماري انطوانيت «لا يوجد خبز؟ كـلو بسكوت!».

 

طمع لا حدود له ينطبق عليهم قول النبي صلعم:«لا يملأ جوف ابن آدم، الا التراب، ويتوب الله على من تاب». فهل يتوبون؟  لا اعتقد….لأن الفساد استشرى في العقل والجسد، وغاب الضمير.

 

واخيراً وليس آخراً، اعتذر إذا انتقلنا من حكاية نجاح الى حكاية فشل، ومن أمل الى يأس، ومن روضة الى هاوية نفايات سياسية. وأحد الأسباب أن «المعهد العالي للفساد والإفساد»، الذي افتتح في لبنان منذ حوالي ربع قرن، تخرج منه الكثيرون من ولاة الأمر بعلامات مميزّة.

 

وإزالة الفساد كـ«شطف» الدرج، يبدأ من الأعلى الى الأسفل.

 

وكما تعودت ان لا انهي هذه الصفحة، الاستراحة، بالباطل والخبر العاطل. قال لي رفيقي اثناء تجمع الحراك، أهذه بيروت؟  انها لا تشبهها بشيء…تذكرت انه عندما أزيح الستار عن تمثال الرئيس بشارة الخوري في مطلع السبعينات قال ابنه الشيخ ميشال…..هذا بيِّي؟ ما بيشبه بيِّي. فأجابه الرئيس الراحل سليمان فرنجية….بسيطة بكره بتتعود عليه. وقد طمأنت السائل المخضرم في تجمع الحراك بجواب مماثل.

 

وللبحث صلة.