IMLebanon

فقدان الأمل بالإصلاحات ينقل البلد إلى “التنفّس الإصطناعي”

 

الرئيس الفرنسي يعلن على هامش قمة G7 عن إمكانية إنشاء آلية تمويل للخدمات الأساسية في لبنان

 

هل نكون أمام آلية الإسقاط الجوي باستخدام الطائرات لإيصال المؤن الغذائية والأدوية، في حال إفشال آلية التمويل الطارئ التي أعلنها الرئيس الفرنسي أخيراً؟ الفرضية تهكمية، صحيح، إنما بعد تقويض السلطة الحاكمة كل المبادرات، وتدرّج الحلول من خطط الإنقاذ لاستعادة العافية والإزدهار وصولاً إلى المساعدات بدلاً عن الحياة، يصبح أخذ المشهدية الساخرة في الإعتبار أمراً مشروعاً.

 

تحوّل لبنان في غضون سنة ونصف السنة من دولة تعاني أزمة إقتصادية، نقدية ومالية مسبوقة، إلى دولة منكوبة. عدم تنفيذ الخطط الإصلاحية استنزف في أشهر معدودة ما يزيد عن 18 مليار دولار من احتياطي العملات الأجنبية، وترك البلد على حافة التوظيفات الإلزامية؛ هذا إن ما زالت موجودة فعلياً. وبنفاد العملة الصعبة وانهيار سعر الصرف، بدأت القطاعات الخدماتية الأساسية تتعطل واحدة تلو الأخرى. فالإستمرار بدعم المحروقات والدواء والأدوات الطبية والمستشفيات والمواد الغذائية الأساسية على سعر 1515 أو حتى 3900 ليرة أصبح مستحيلاً. ورفع الدعم يُفقد أكثر من 80 في المئة من الشعب اللبناني قدرة الوصول إلى متطلبات الحياة الأساسية. وفي مقابل هذه العوامل يستمر التآمر السلطوي بالنهج نفسه حماية لمصالحة، وذوداً عن أصحابه من المحاسبة. الأمر الذي دفع بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى الإعلان على هامش قمة G7 عن الاتجاه لانشاء آلية تمويل طارئة للخدمات الأساسية في لبنان.

 

آليات التمويل الطارئ

 

تنص هذه الآلية ببساطة على توفير الحد الأدنى من الخدمات الأمنية والطبية والتعليمية والإجتماعية منعاً لانهيار البلد كلياً وانتشار الفوضى. وهي تختلف عن المساعدات التي وصلت إلى لبنان عقب جريمة انفجار مرفأ بيروت لجهة الشكل والمضمون. ففي الشكل يتم التعامل مع الدولة ومؤسساتها الرسمية سواء كانت العسكرية والصحية أو التربوية، وليس عبر المنظمات الدولية أو جمعيات المجتمع المدني. وفي المضمون تكون هذه المساعدات مشروطة ومفصلة وتحت سلطة رقابية دولية منعاً لأي تجاوزات أو هدر للمال وعدم وصوله إلى مستحقيه الأساسيين. وبحسب الخبيرة الإقتصادية علياء مبيّض فان “هذه الآلية التي لم يفصح بعد عن كيفية تنفيذها بشكل دقيق ومفصل، من الممكن أن تأخذ ثلاثة أشكال رئيسية: الأول، عبر إنشاء حساب مخصص لهذه المساعدات في مصرف لبنان. الثاني، فتح الحسابات في الخارج ويتم التمويل بناء على طلبات واضحة وصريحة. أمّا الشكل الثالث فمن الممكن أن يكون عبر خلق صندوق تمويلي مولج بدفع تكاليف الخدمات الأساسية على أساس ضوابط معينة وتقارير مالية دقيقة، ومن خلال التعامل مع مؤسسات محددة تكون مسؤولة أمام المجتمع الدولي أو الدول المساعدة”.

 

تفادي سيناريو الإنهيار

 

الخيار “اليائس” يأتي بعد وصول كل محاولات المجتمع الدولي عموماً وفرنسا خصوصاً، لمساعدة لبنان إلى حائط مسدود. فـ”تحوّل الهمّ من الإنقاذ تمهيداً للإزدهار، إلى تفادي سيناريو الإنهيار التام واستمرار المرافق العامة الأساسية بالحد الأدنى وعدم سقوط الدولة”، تقول مبيّض، و”ذلك لكي لا تفقد الدولة قدرتها على القيام بأبسط واجباتها وخدماتها، وتحل مكانها الخدمات الموازية من قوى الأمر الواقع، بصورة تعيدنا إلى مشهدية الحرب الأهلية”. وبحسب مبيّض فان “الكلفة التمويلية لاستمرار هذه المرافق أصبحت أقل بكثير نظراً لانهيار سعر الصرف وتراجع بعض عناصر الأكلاف التشغيلية في القطاع العام، وكذلك بسبب ضمان عدم ضياع قسم كبير من هذه الأموال في الهدر والفساد كما حصل في المساعدات السابقة، بسبب الدراسة الدقيقة لكلفة الخدمات الأساسية وتشديد الرقابة”.

 

فكرة التمويل الطارئ التي بدأت بدعم الجيش اللبناني وتخصيصه بمؤتمر دولي لمساعدته، ستتكرر مع المستشفيات والمدارس الرسمية والخدمات الحيوية. لكن هذا الحل لا يعني، بحسب مبيض، انه البديل عن الحل الشامل، إنما لتقطيع هذه المرحلة الخطيرة التي تهدد بسقوط هيكل الدولة مع كل ما يتبعه من خضات أمنية وإجتماعية قاسية، في ظلّ تقاعس المسؤولين السياسيين عن اعتماد الحلول الجذرية لمواجهة أزمة لبنان الوجودية التي تسبّبوا بها”. وفي حال استمرار التدهور وعدم الدخول في الحلول الشاملة فمن الضروري أن يتكرر هذا الدعم، بحسب مبيض، إلى “إنشاء صندوق مخصص لدعم لبنان وإيجاد آلية لتمويل القطاع الخاص، واستمراريته لخلق الوظائف واستعادة مسار تعافي النمو الاقتصادي. والفكرة الأخيرة تلقى إهتماماً كبيراً وقد سبق وطرحناها، إلا أن آلياتها التنفيذية لم توضح بعد”.

 

التمويل للإستثمار

 

الخبير الإقتصادي رازي الحاج يرى في الطرح الفرنسي “مقدمة لبناء نموذج اقتصادي جديد يكون مبنياً على الإستثمار وممولاً من الخارج عبر القروض، وليس بالضرورة أن يقتصر على الهبات والمساعدات”. وبحسب الحاج فان “هذا الطرح طالبنا به منذ حوالى السنة إنطلاقاً من أن قيمة التمويل المطلوب للأمور الحياتية والصحية الأساسية قد لا يتجاوز 3 مليارات دولار سنوياً.

 

فكلفة المواد الغذائية الأساسية المستوردة سواء المعدة للإستهلاك مباشرة، أو التي تدخل في الصناعة الوطنية كمواد أولية، لا تتجاوز كلفتها المليار دولار سنوياً.

 

وذلك بالإستناد إلى أرقام الأعوام 2018 و2019. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأدوية والأدوات الطبية، فمن الممكن على سبيل المثال أن يضطلع البنك الأوروبي للإستثمار بإنشاء صندوق بقيمة مليار دولار لتشجيع مستثمرين في المجال الصحي على بناء المعامل والمختبرات وتأمين الحاجات الطبية الضرورية”. إقتراح مثل هذا الصندوق لا ينفصل بحسب الحاج عن “أي خطة مستقبلية للإصلاحات، بل يعتبر مكملاً لها ويسير معها بالتوازي. خصوصاً في حال ترافق مع IMPORT CONTROL بشكل يعطي الأفضلية في الإستيراد للمواد الأساسية والأولية على حساب الكماليات، ووجود استراتيجية طويلة الأمد قادرة على توفير 30 إلى 40 في المئة من الحاجات والمتطلبات الغذائية والصحية الأساسية من الإنتاج الداخلي بدلاً من الإستيراد”. وبحسب الحاج فان “الإصلاحات المستقبلية التي نتحدث عنها بحاجة إلى تصويب التمويل بشكل ننتقل معه من نموذج التمويل الخارجي الإنفاقي بالمطلق، إلى التمويل الإستثماري الذي يساعد على تأمين الحد الأدنى من الأمور الأساسية. وهذه الإجراءات لا تتم بشكل منعزل بل متصل بعضها بالبعض الآخر، وبوجود خطة واضحة ومنطقية. وبهذا نكون نشق طريق الإصلاحات المطلوبة ونخلق فرص عمل ونرشد إنفاق العملة الصعبة.

 

ما يميز الآليات الجديدة المقترحة للتمويل عن مؤتمر “سيدر” لا تتعلق بحسب الحاج بالتمويل المشروط بالإصلاحات فقط، إنما بتوجيه القروض على الأولويات الحياتية الأساسية. فنسبة كبيرة من المشاريع الـ180 الممولة من “سيدر” كانت ستذهب إلى مشاريع غير مجدية أو ليست طارئة، كتنفيذ الصرف الصحي وغيرها في حين أن التمويل المطلوب آنياً يجب أن تكون له صفة الديمومة ويتوجه إلى الأمور التي تساعد على خلق الامن الغذائي والصحي والإجتماعي.