IMLebanon

حرب المصالح على أرض لبنان… أشرس من هدير البوارج

 

شكّل حضور البارجة الفرنسية “تونير” إلى مرفأ بيروت مفاجأة أكدت حجم الإهتمام الفرنسي والأوروبي والدولي بلبنان، وفتحت الباب على تساؤلات كبرى عن موقف الدول الفعالة عالمياً.

 

ينتظر الجميع عودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان وما يحمله معه من مبادرات جديدة، لكن المعلومات المتقاطعة تدل على أن ماكرون الذي كثّف إتصالاته الدولية لم يصل بعد إلى نتيجة مقنعة تحمل حلاً جذرياً للأزمة اللبنانية.

 

ويصطدم ماكرون بعدم تعاون إيراني أو بالأحرى عدم تجاوب كاف، إضافةً إلى دخول عوامل عدة على الساحة اللبنانية وأبرزها العامل التركي والذي يثير ريبة فرنسا والأوروبيين.

 

وفي السياق، تؤكّد مصادر ديبلوماسيّة مطلعة أن الحضور الفرنسي المتقدّم في لبنان والذي بات في جزء منه عسكرياً يحظى بدعم من الدول الكبرى والمعنية بالشأن اللبناني، ولو لم يكن هذا الأمر موجوداً لما إستطاعت باريس التحرّك بحرية كما تفعل حالياً.

 

وتشدّد المصادر على أن وجود البارجة “تونير” في مرفأ بيروت يحمل رسائل دولية كبيرة، وهو ما كان ليحصل لو لم تكن هناك موافقة أميركية ورضى روسي على إعتبار أن واشنطن وموسكو هما أكبر دولتين ذات حضور عسكري في منطقة الشرق الأوسط.

 

وتوضح المصادر أن ماكرون أجرى سلسلة إتصالات دولية باشرها قبل إنفجار المرفأ وزادت وتيرتها بشكل متسارع بعد التفجير ووصل إلى خلاصة أساسية مفادها أنه لا يمكننا أن نترك لبنان يغرق.

 

وتأتي هذه الخطوة الفرنسية بحضور “تونير” في ظل توتر وضبابية إقليمية ودولية، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب يتفرّغ للإنتخابات الرئاسية الأميركية ويعطي اهتماماً بالغاً للتطبيع بين الإمارات والخليج وإسرائيل.

 

أما الروسي فيحاول أن يحافظ على نقاط قوة وحضور في الشرق الأوسط، وقد إرتفعت وتيرة الصراع بين باريس وأنقرة بعد التدخل التركي في ليبيا، من هنا فبعد محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التدخل في طرابلس الغرب والوصول إلى أبواب أوروبا، فإن من مصلحة بوتين لجم هذا التدخل في بيروت أيضاً لأن لبنان على حدود سوريا حيث الروس موجودون، لذلك كان الدخول الفرنسي الحاسم.

 

أما السؤال الذي يُطرح فهو “لماذا رضي الجميع بالدور الفرنسي المتزايد ولماذا لم يحصل أي إعتراض حتى إيراني؟”.

 

وفي السياق، تشرح المصادر الديبلوماسية هذا الأمر حيث يندرج تحت أطر عدّة أبرزها تسليم الجميع بالحضور الفرنسي في لبنان، والذي يمتدّ إلى مراحل تاريخية، وظهر جلياً خلال زيارة الرئيس ماكرون إلى أحياء الجمّيزة ومار مخايل، خصوصاً وأن أي مسؤول محلي أو أجنبي لم يلقَ مثل هكذا عطف في وقت الشدّة.

 

أما السبب الثاني، فإن باريس قادرة على الحديث مع كل الأطراف اللبنانية بمن فيها “حزب الله”، وهذا الأمر لا تستطيع أن تفعله أي دولة أخرى. فعلى سبيل المثال إن التدخّل الروسي سيثير استفزاز واشنطن، ولو حضرت بارجة روسية إلى لبنان فسيقال إن هذا الأمر يشكل تمدّداً عسكرياً لبوتين بعد التمدّد في سوريا.

 

وبالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، فهي لا تريد الدخول حالياً في الصراع اللبناني بسبب وجود “حزب الله”، وبالتالي الحضور الفرنسي لا يزعجها بل ترى فيه فرصة لتحطيم أحلام أردوغان التوسعية في لبنان.

 

أما إيران التي تُعتبر في مرحلة تراجع، فهي ترى أن الحضور الفرنسي ولو العسكري لا يؤثّر عليها بعكس الحضور الأميركي، كما أن طهران و”حزب الله” يعولان على الدور الفرنسي لفك الحصار عنهما، لذلك لم نشهد أي إعتراض على حضور “تونير” لأنهما يحتاجان إلى ما يقوم به ماكرون، مع معرفتهما بأن وجود “تونير” رمزي وهو رسالة إلى أنقرة وليس إلى طهران.

 

والأهم من هذا كله أن ماكرون قال للأوروبيين أن دعمهم لخطوته في بيروت هو خطّ دفاع عن مصالحهم في الشرق الأوسط، لذلك فإن كل ما يقوم به يحظى بمباركة برلين والإتحاد الأوروبي ولا يتعارض مع النظرة البريطانية إلى كيفية التعاطي مع الأزمة اللبنانية التي تعتبر من أهم الأزمات في الشرق الأوسط.

 

وفي سياق متصل، لا يمكن تضخيم خطوة إرسال البارجة الفرنسية كما لا يمكن تبسيطها، والرسالة الأهم أن لبنان بات تحت العين الأوروبية والدولية ولا يمكن لأحد الإستفراد به، مع العلم أن المواجهة الدولية على أرض لبنان قد تطول إن لم يحسمها ماكرون سريعاً، فالحرب هي حرب مصالح بين الدول وليست عسكرية في هذه المرحلة.