IMLebanon

شبعا بحرية أم تفاهم نيسان؟

 

أضاف وصول سفينة التنقيب (EnergeanPower) إلى مشارف المنطقة الإقتصادية الخالصة اللبنانية مسألة إضافية إلى التراكم الكبير لغياب الدولة وعجزها عن مقاربة أي إستحقاق على المستويات كافةً. يتصرّف المسؤولون في لبنان وكأنهم فوجئوا بوصول السفينة في الوقت الذي كانت وسائل الإعلام تتابعها بشكل يومي منذ انطلاقها من سنغافورة وحتى عبورها قناة السويس، ليبدأوا بعدها رقصة الدوران حول الذات التي يتقنونها بهدف تقاذف المسؤولية أو التنصّل منها وإلقاء تبعات ما يجري على العدو الغاشم والوسيط الأميركي.

إنّ مسلسل التفاوض الذي انطلق من الإتّفاق الإطار مع الرئيس نبيه بري مروراً بالإنتكاسة التي واجهت الفريق التقني بسبب تخلي رئيس الجمهورية عن التزاماته، وبعدها العزوف عن توقيع تعديل المرسوم 6433 لتثبيت حق لبنان بالتفاوض إنطلاقاً من الخط 29 ، تدل بما لا يقبل الشك أنّ قرار ترسيم الحدود البحرية اللبنانية ليس مسألة خلافية محلية، بل يفوق قدرة السلطة التي أُنتجت وفُرضت بإملاءات إقليمية ودائماً ضمن الهامش الأميركي المتاح.
إنّ الموقف الهزيل للسلطة ليس فقط بمواقعها الرسمية أو بما يسمّى «بالرئاسات» بلّ بكل مراكز الثقل المتوهمة لديها وفي مقدّمتها حزب الله، ليست سوى جزءاً من مشهد إقليمي واحد تعيشه الدول التي تسيطر عليها طهران حيث تنضبط المكوّنات المحلية المتناقضة في كلٍّ منها بإشارة من المايسترو الأميركي بما لا يسمح بتجاوز الحدود المرسومة. أليس مدعاةً للعجب أنّ ينضبط حزب الله خلف الحكومة اللبنانية في ما تقرره في مسألة الترسيم وهو المنظّر الدائم في تقييم المخاطر الإسرائيلية والمتصدّر في الدفاع عن لبنان بسبب محدوديّة قدرات الجيش للقيام بالمهمة؟ أليس مدعاةً للعجب أيضاً أن يمتنع حزب الله عن إطلاق التهديدات والتحذيرات وأن يصطف مع الرئاسات اللبنانية التي تلتمس إستجابة الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين لزيارة بيروت؟ وأليست استكانة إسرائيل بتوقّف سفينة الحفر دون ملامسة الخط 29 وربطها التفاهم مع لبنان بالوسيط الأميركي تأكيداً على سوريالية الموقف برمّته عند الحدود البحريةالتي تتماهى مع مجريات المفاوضات النووية في فيينا والمحاولات الأميركية لترميم علاقاتها الخليجية وإعادة توزيع الأدوار وبناء التحالفات في ضوء الفشل الأميركي في تجريد روسيا من أوراق قوتها لا سيما في ملف الطاقة والإنتقال إلى مرحلة تجريدها من حلفائها ولا سيّما إيران !!!؟؟؟
لقد منحت الإدارة الأميركية في الأول من أمس الإذن لشركتيّ النفط، الإيطالية «إيني» و«ريبسول» الإسبانية بنقل النفط الفنزويلي إلى أوروبا في أقرب وقت، لتعويض النفط الروسي، واستئناف مقايضات النفط مقابل الديون التي توقفت قبل عامين عندما فرضت واشنطن العقوبات على فنزويلا. وبالتوازي تحاول شركات «شيفرون» الأميركية، و«أو إن جي سي» الهندية المحدودة للنفط والغاز، و»موريل آند بروم» الفرنسية، الحصول على إذن وزارتيّ الخارجية والخزانة في الولايات المتّحدة، لشراء النفط الفنزويلي مقابل مليارات الدولارات من الديون المتراكمة. طبعاً تطمح إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مقابل ذلك إلى إقناع الرئيس مادورو بالعودة الى المحادثات السياسية مع المعارضة الفنزويلية وبالتالي التمهيد لنقل النموذج الأوكراني من كييف الى كراكاس.

إنّ توقّف السفينة (Energean Power) عند تخوم الخط 29 هو بمثابة إستدارج عروض لإيران للحصول على موافقة مماثلة من جانب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، دون الحاجة إلى التوصّل لقرار نهائي بشأن الإتّفاق النووي، بهدف تعويض النفط الروسي في الأسواق الأوروبية. وقد يكون ذلك ما رمى إليه بالأمس رافاييل غروسي الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية: «إمتلاك إيران الكميات الكافية من اليورانيوم لصنع قنبلة نووية هو مسألة وقت»، و«يجب أن توضح إيران القضايا المتعلّقة ببرنامجها النووي، وعلينا الإستمرار في محاولات إيجاد حلّ لأزمة البرنامج النووي الإيراني».
قد يستمر توقف السفينة طويلاً عند الخط 29 وقد يطول كذلك انتظار الوسيط الأميركي ولكن استخدام واشنطن لمسألة الحدود البحرية اللبنانية والمنطقة الإقتصادية كمنصّة لتجريد موسكو من حلفائها سيعني حكماً توسيع الشراكة الإيرانية – الأميركية من خلال تثبيت «شبعا بحرية « وربما من خلال تشريع لعمليات عسكرية محدودة بما يستعيد نموذج «تفاهم نيسان 1996» بنسخة بحرية هذه المرة، وفي كلتيّ الحالتين قد يكتشف الوسيط الأميركي أنّ نقل زياراته المكوكية الى طهران وتل أبيب هي أكثر جدوى.