IMLebanon

للاستمرار في مكافحة الأوبئة السياسة!

 

 

لم يضرب وباء الكورونا البشرية في أنحاء المعمورة، فحصد مئات آلاف الأرواح  فحسب، بل ضرب اكبر الاقتصادات العالمية، فتهاوت أسواق المال وأفلست اكبر الشركات، وبات على الإنسان السعي للحفاظ على حياته وعلى رزقه في آن.. الا ان الدول الكبرى كانت على اهبة للتدخل ودعم الشركات المهددة بالإفلاس، والعمال المتوقفين عن العمل قسرياً بفعل هذا الوباء المستجد على حد سواء، اضافة الى تخصيص مبالغ ضخمة دعماً للقطاع الصحي  في حربه ضد الكورونا!

 

اما في لبنان، لطالما كانت الأمور مختلفة.. فإلى جانب افلاس الدولة مالياً وغياب الرؤية والقدرة على اتخاذ القرارات الانقاذية المناسبة، إلا ان سلّم الاولويات لم يضع مصلحة المواطن في المقدمة!

 

فالأزمة الاقتصادية التي سبقت الكورونا، والتي وضعت ستين بالمئة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر، والتي تفاقمت بتهريب أموال كبار المستثمرين خارج لبنان والسماح للمصارف بالإطباق على أموال صغار المودعين والتحكم بها باستنسابية، اضاعت ما تبقى من ثقة بالقطاع المصرفي والاستثماري اللبناني. كما ان الحكومة الحالية لم تتوانَ عن اضاعة ما تبقى من فرص للإنقاذ، حيث انها أذعنت لإملاءات الفريق الداعم لها وبالتالي فشلت في استعادة الدعم الدولي للوطن الصغير، بل على العكس، كرّست موقع لبنان في المحور الإيراني وقضت على فرصته بالعودة الى الحياد، او النأي بنفسه عن الصراع الاميركي – الإيراني، والذي كلف لبنان ما كان متبقياً من اقتصاده الهش بفعل العقوبات على حزب الله، والتي لطالما حذر منها الداخل والخارج على حد سواء، كونها من تبعات تدخله العسكري في المنطقة.

 

وجاء الكورونا ليزيد من الأعباء على كاهل المواطن المنهك من جهة، وليؤكد عجز الوزراء عن التحرر من انتماءاتهم السياسية واتخاذ قرارات جذرية لمواجهته من جهة أخرى. فتحت غطاء إعادة اللبنانيين الى وطنهم، بقيت الرحلات من ايران وإيطاليا، على الرغم من اعتبارها مناطق موبوءة، والأهم انه تم من دون إجراءات لمنع هذا الوباء من التفشي في لبنان أيضاً. فلا الرقابة على الحدود البرية والجوية كانت جدية، ولا إجراءات العزل لهؤلاء الوافدين كانت ملزمة، بل كان كل من ينادي بهذه التدابير يخوّن وسرعان ما تتحول قضية تخص الصحة العامة لاستهداف لفريق دون آخر… حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم من ضرورة اعلان الطوارئ او التعبئة، والتي خضعت تسميتها أيضاً  للتسييس، ولولا  وعي المجتمع المدني ونشر التوعية للاستفادة من تجارب البلاد الموبوءة، لكان لبنان قد دخل في كارثة صحية أسوأ من الواقع الحالي بأشواط.

 

الا ان انشغال اللبنانيين بمواجهة الكورونا وغلاء المعيشة الخيالي في ظل تدهور قدرتهم الشرائية وغياب خطط الدعم الاقتصادي في هذه الأيام السوداء، لم يمر دون ان يستفيد منه بعض الافرقاء لعقد الصفقات الخارجية وتهريب العميل عامر الفاخوري فيما يشبه الأفلام الاميركية الهابطة… في ظل تغاض ملفت لمن رفع لواء محاربة العمالة لسنوات طويلة! فأية  ثقة بقوانين تفصّل على المقاس، وأية دولة جديرة بالاحترام التي تبرئ مجرماً موصوفاً وتخلي سبيله، فيما تبقي آلاف المساجين غير القادرين على دفع الكفالة، وآخرين من دون حتى محاكمتهم! انها جمهورية الموز دون منازع، والطريق طويل امام الحكومة الحالية إذا ارادت ان تثبت غير ذلك. اما الطريق امام الثورة، فهو  اطول عبر زرع المستقلين في مواقع المسؤولية ورفع الصوت لكشف الفساد والعمالة الحقيقية ضد الوطن، وصولا لأول درب التغيير الحقيقي.  ويبقى الاستسلام لواقع المرض الجسدي والمعنوي مرفوضين على حد سواء… بل هي الفرصة الحقيقية لمواجهة مختلف الأوبئة بجرأة وتبصّر وإصرار!