IMLebanon

بين التفوّق والمساواة

 

 

تملأ المناورات والتحايل على المأزق اللبناني المسرح السياسي إلى درجة قول الشيء وعكسه من دون خجل أو مواربة، في شأن المداولات المتعلقة بتأليف الحكومة الجديدة قبل استشارات التكليف.

 

وإذا كان مفهوماً أن يضمر الفرقاء نواياهم، فإن هامش المناورة بات ضيقاً أمام انكشاف عجز أحزاب السلطة عن اجتراح الحلول الملحة، إزاء استفحال الأزمة المالية والتردّي الاقتصادي. منطق آخر يتحكم باللعبة الدائرة، وفق أحد السياسيين المنغمسين في تفاصيل المداولات الجارية: بين الواقع المالي – الاقتصادي الخطير وما يتطلبه من تنازلات سواء للحراك الشعبي أو لشخصيات موثوقة غير حزبية، وبين مصالح فرقاء يشعرون بأن دورهم وموقعهم في السلطة مهدد أو معرض للتآكل (مثل غيرهم) في حكومة مستقلين، فإن الخيار عند هؤلاء هو التشبث بهذه المصالح لأنها تتقدم على مصلحة البلد.

 

تقديم فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و»حزب الله» (ومعهما حركة «امل») مصلحتهما بالبقاء في الحكومة تحت شعار «الحزب»، بأننا «لن نقدم هدية للأميركيين» بالخروج منها تحت عنوان التكنوقراط، هو رفض لمساواتهم بالشركاء الآخرين، الخارجين منها، أي «تيار المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» وحزب «القوات اللبنانية» فضلاً عن رفض «الكتائب» المستبعد عنها.

 

وإذا كانت حكومة الاختصاصيين تدفع «حزب الله» إلى الريبة منها، فإن من حق الفرقاء المقتنعين بالحاجة إلى خروج الأحزاب منها، أن يرتابوا من رفض «الحزب» و»التيار الحر» مساواتهما بهم. والسجال الدائر حول حكومة الاختصاصيين أو التكنو – سياسية يأخذ النقاش على المخارج إلى مكان بعيد من المسألة الجوهرية، أي الحاجة إلى حكومة استثنائية تمنع الانهيار، عبر إجراءات ذاتية، وعبر مساعدة مالية خارجية عاجلة من جهة أخرى، يستحيل توفيرها بحكومة يشترك فيها من ساهموا بإيصال البلد إلى المأزق، وتضم «حزب الله» الذي يشكل عائقاً أمام توظيف الأموال في البلد. «الحزب» يريد التفوق على الآخرين لا مساواته بهم، باسم الشراكة معهم.

 

لم تنفع التطمينات التي قدمها رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري للثنائي الشيعي وعون، حيال التسريبات بأنه يمتنع عن تأليف الحكومة بطلب أميركي. وهو كرّر لنواب كتلة «المستقبل» أول من أمس حين سئل إذا كان هناك تدخل خارجي في الأزمة، التأكيد أن «لا صحة لكل ما يقال عن تدخل من الخارج في موضوع الحكومة بهدف استبعاد «حزب الله»… وقال: «لسنا في مواجهة سياسية مع أحد»، قاصداً عون، ولم يوارب بقوله إنه لا يحتمل عرقلة الوزير جبران باسيل للعمل الحكومي مجدداً… وأكد أن «أكثر ما يهمني هو الابتعاد عن أي حساسية سنية شيعية، و»حزب الله» أيضاً حريص على تجنب أي نوع من الصراع الشيعي السني بدوره»… وحيال إصرار «الحزب» على ترؤسه الحكومة من هذا الباب، ذكّر بشرطه أن تكون من الاختصاصيين لرفض الحراك الشعبي تمثيل الأحزاب، وأن تكون موقتة لمدة تتراوح بين 6 و8 أشهر، تنحصر مهمتها بتصحيح الوضع المالي، «إذا نجحت في ذلك»، على أن تأتي حكومة تضم سياسيين بعد انقضاء هذه المهلة، و»إذا لا موافقة على الفكرة، ليترأسها غيري». رفض الحريري اقتراح نواب من كتلته تكليف النائبة بهية الحريري أو النائب سمير الجسر تأليف الحكومة، معتبراً أنه «إذا كنا نطالب بخروج الأحزاب من الحكومة لماذا نسميهما؟ هذا يشبه تكليفي أنا في وقت نقول بخروج الأحزاب». وتمنى لو أن تزكية الوزير السابق محمد الصفدي نجحت، بعدما قبل به لإصرار باسيل عليه وموافقة الأطراف «لكن الحراك الشعبي وقف ضده».

 

هل يعود الرئيس عون (ومعه الحزب) إلى قوله في كلمته بالذكرى الثالثة لانتخابه، إن «مقاربات الحكومة المستقيلة كانت سياسية أكثر منها تقنية وتنفيذية، واشتراط البعض الإجماع أعاق قرارات ضرورية»، فيقبل بصيغة الحريري، أي أخصائيين يشترك الأخير معه والآخرون في اختيار بعضهم أم يفضل الفراغ؟