IMLebanon

أوروبا تواجه إستحقاقات مصيريّة في المرحلة المقبلة

يبدو أنّ أوروبا وأزماتها لم تنتهِ بعد. وقد يكون ٤ كانون الاول بداية لمرحلة جديدة ولا سيما إذا خسر Matteo Renzi رئيس الوزراء الإيطالي الاستفتاء الدستوري ما يعني ولا شك أنّ أحداثاً جديدة سوف تضع إيطاليا وأوروبا على المحك.

قد تكون الأسباب وراء هكذا سيناريو لا علاقة لها بالاستفتاء نفسه إنما تعود لأسباب عديدة تراكمت منذ العام ٢٠١٢ وقد تعود أصولها حتى الى العام ١٩٩٩ وأداء إيطاليا الاقتصادي منذ تبنّي اليورو وتراجع عوامل الإنتاجية الكلية بحوالى ٥ بالمئة إضافة الى عدم قيام الإتحاد الأوروبي ببناء وحدة إقتصادية ومصرفية بعد أزمة اليورو وفرض التقشف.

ناهيك عن بروز الأحزاب المعارِضة بشكل قوي في أوروبا عموماً وفي إيطاليا خصوصاً التي تفضل الخروج من اليورو. وخسارة Renzi في هذا الاستفتاء تعني من دون أدنى شك بروز هذه الاحزاب وتعجيل الخروج من منطقة اليورو.

كذلك فإنّ أموراً عدة قد لا تكون بالواقع لمصلحة أوروبا لا سيما وأنّ روسيا تلقي بظلها على صدرها، والحرب في سوريا أدّت الى موجة كبيرة من الهجرة باتت تتحدّى الهويّة الأوروبية وتشكل ثورة يمينية هذا فضلاً عن الـ Brexit وخروج بريطانيا من الاتحاد وبروز ترامب على الساحة الدولية وهذا ما لم يكن بالحسبان وقد يعني أموراً عديدة أقلّها ظهور حركات يمينية متطرّفة خصوصاً أنّ انتخاب ترامب والذي لديه ميول استبدادية واقتراحات إذا ما أبقى عليها قد تؤدي الى نتائج مفجعة من لشبونة الى كييڤ. وهذه الأمور تعني إزالة احتمال قيام الولايات المتحدة الأميركية بدور المنقذ في مثل هذه الأزمة الشعبوية.

أما في ما يخصّ استفتاء Renzi فإنه يتوخّى تغييرات في الدستور وإصلاح عملية صنع القرار وإنشاء حكومة مركزية قوية تشجّع الإصلاحات الاقتصادية.

ويحبّذ هذا الاستفتاء رؤساء أكبر الشركات والجمعيات ورجال الأعمال. وممّا لا شك فيه أنّ التصويت للاستفتاء بنعم سوف يرسل إشارة إيجابية الى المستثمرين بصورة لا لبس فيها حسب رئيس إحدى الشركات الصناعية الكبرى والذي أضاف «أنّ تغيير القوانين التي كانت سبباً وجيهاً في تراجع الإنتاجية أمر ضروري».

والمكسب الأهم في هذه الإصلاحات هو تخفيض البيروقراطية والإسراع بالإصلاحات القضائية والإجراءات الإدارية، وهذه الأمور ضرورية لا سيما أنّ في الترتيب العالمي الصادر عن البنك الدولي في معيار «سهولة التعامل التجاري Ease of doing business» تأتي إيطاليا في المرتبة الخمسين ومن بين الأسوأ في اقتصادات منظمة التعاون والتنمية، وهي تراجعت ستة مراكز عن السنة الماضية وهذا نتيجة أمور عدة قد يكون أهمها بؤس الشركات في التعاطي مع الدولة مثل دفع الضريبة أو الحصول على عقود.

ويبدو أنّ ارتفاع المخاطر السياسية في البلاد لا سيما وإذا جاءت نتيجة الاستفتاء بـ «لا» بدأت تنعكس على أسعار الأسهم والسندات وتُظهر استطلاعات الرأي أنّ الإيطاليين في معظمهم يعارضون التغييرات الدستورية المقترَحة والتي يراها الاقتصاديون ضرورية من أجل تحفيز النمو.

أما الأسهم الإيطالية ففي حالة انخفاض منذ مطلع العام ٢٠١٦ إذ إنّ البلاد تتخبّط في تباطؤ النمو وارتفاع البطالة ومخاطر النظام المصرفي تحت ضغط عدد كبير من القروض المعدومة وإزاء عدم إمكانيتهم من تكوين رؤوس الأموال. هذا، وحسب صندوق النقد الدولي لدى المصارف الإيطالية حوالى ٤٠٠ مليار دولار من الديون المتعثّرة وكذلك الأسهم الستة الأسوأ أداءً في مؤشر البنوك الأوروبية هي إيطالية.

ويمكن أن يصبح الوضع أكثر سوءاً بالنسبة لهذه المصارف المثقلة بالديون إذا كان التصويت «لا» ويمكن أن يقوّض ذلك استقرار النظام المالي الأوروبي ويصعّب على المصارف الإيطالية تخطّي هذه العقبات.

وحسب اندريا مونتانيو المدير في مجلس الاطلسي والمدير التنفيذي السابق في صندوق النقد الدولي لن يؤدي ذلك الى انهيار القطاع المصرفي في إيطاليا إنما حتماً سيؤدّي الى انخفاض الثقة لدى المستثمرين ويعرقل المصارف في حصولها على دعم مالي خارجي.

لكن ورغم هذه الصورة القاتمة وما قد يترتب عليها ربما من استقالة Renzi المبكرة والاضطرابات السياسية وتصاعد اليمين المتطرف فإنّ الاستفتاءات وإن أعطت ترجيحات مبكرة ليست نهائية ولا يمكن البناء عليها لا سيما وأنّ استطلاعات الرأي جاءت معاكسة في أمر الـBrexit وأخيراً في نتائج الرئاسة الأميركية ومع وصول ترامب.

لذلك قد يكون الاستفتاء الإيطالي بشأن الاصلاح الدستوري في ٤ كانون الاول أهم حدث سياسي في العام ٢٠١٦ وقد يؤدّي الى مزيد من التساؤلات حول مصير العملة ومستقبلها وسط تزايد الشعوبية في جميع أنحاء أوروبا وإذا كان بعضهم يرى أنّ مستقبل اليورو ليس موضع شك إنما وجب التوضيح أنّ وضعه الحالي ضعيف جداً وإمكانية تكافؤ اليورو والدولار أصبحت أقرب الى الواقع من قبل.

لذلك الاستفتاء مهم إذ إنه قد يمهّد للخروج من اليورو لا سيما وأنّ خسارة Renzi تعني استقالته ما قد يؤدّي الى فوضى سياسية وربما تستيقظ أوروبا في الخامس من كانون الاول على مشهد جديد قد يعني زوال اليورو أو أقلّه قلق إزاء انتشار العدوى في جميع أنحاء أوروبا.