IMLebanon

كل مواطن خفير

تعرّضت لموقف مزعج يوم الجمعة الفائت خلال سفري من بيروت الى لندن في مطار بيروت الدولي، حيث تجاوَز شاب الطابور مستخفّاً بعشرات الأشخاص الواقفين، ومن دون أيّ اعتبار أو احترام لمشاعر المواطنين. إعترضتُ على هذا التصرّف، فقابلني عنصر الأمن المتواجد وحتى المسؤول عن الأمن، بعد اتصالي به، بالاستخفاف بالحادث، فسردت الحادثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لعرضها أمام الرأي العام ولكي لا يبقى الخطأ هو القاعدة، ولكي يستحي كلّ من يخالف القانون وكلّ من يسمح لنفسه بالتعدي على حقوق غيره.

من التعليقات التي تلقّيتها والتي تستوجب التوضيح، تعليقات مفادها أنه «ماذا فعلت عندما كنت وزيراً للسياحة لتطوير المطار؟ وهل شعرت بهذه المشاكل الآن بعدما أصبحت خارج العمل الوزاري أو كما يراها البعض الامتيازات التي تأتي مع المناصب؟».

وبالتالي، أودّ توضيح هذه النقطة الاساسية. أولاً في كل مسيرتي الوزارية لم أستفد من أيّ امتياز في مطار بيروت، ففي كل رحلة أقوم بها كنت استعمل المسارب العادية وأخضع للتفتيش وأدقّق في الإجراءات على الأرض إلّا في المرات القليلة التي استعملت فيها صالون الشرف بسبب ارتباطي بمواعيد رسمية وتوفيراً للوقت.

ثانياً، لقد كان همّي الأول طيلة فترة خدمتي في وزارة السياحة، تحسين صورة المطار وتطوير خدماته، وأوّل ما فاجأني حين استلمت مهامي هو فضيحة أنّ وزارة السياحة ليس لها أيّ صلاحيات في المطار لا من قريب ولا من بعيد، وصوتها غير مسموع عند تقديم الاقتراحات. وعلى رغم ذلك انطلقتُ بمجموعة مطالب اساسية وأصرّيت على أن أكون عضواً في اللجنة التي وضعت لدراسة خطة لتطوير المطار برئاسة دولة رئيس الحكومة آنذاك.

إصطدَمت كلّ المطالب والمحاولات بمصالح ضيّقة وسقطت بحجة عدم وجود الصلاحيات، وما أدراك ما عقدة الصلاحيات بين الوزارات في لبنان. والواقع اليوم وبكل صراحة هو أنّ وزارة السياحة غير موجودة في مطار رفيق الحريري الدولي. فتضارب الصلاحيات وتهميش دور الوزارة أدّى الى عدم تمكن الوزارة من ممارسة أيّ رقابة أو تنفيذ أيّ خطة متعلّقة بالمطار.

فمثلاً لم نتمكّن من تفعيل عمل الشرطة السياحية في المطار والاسباب غير معروفة، علماً أنّ القانون وفقاً للمرسوم الرقم 1157 تاريخ 2/5/1991 ولا سيما المادة 113 والتي تُحدّد مهام الشرطة السياحية بتأمين راحة السيّاح عند دخولهم الاراضي اللبنانية وتسهيل تنقّلاتهم وحمايتهم من أيّ اعتداء او أذى او استغلال يتعرّضون له والسهر على تطبيق التعرفة الرسمية المحددة، والتعليمات الرقم 263 تاريخ 7/6/1971 وقرار وزير السياحة الرقم 205 تاريخ 3/6/2000 والذي استند الى رأي لهيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل الرقم 622/99 وهيئة التفتيش المركزي الرقم 397/2000 والتي تسمح للشرطة السياحية بالتواجد في المطار لجهة استقبال السيّاح ومراقبة مواقف السيارات وسائقي التاكسي والحمّالين.

وبعد محاولاتنا المتكررة جاءنا كتاب من احد المسؤولين حول تعزيز الشرطة السياحية في المطار رافضاً وجود الشرطة السياحية. والتعبير الغريب الذي ورَد فيه ما حرفيّته: «حيث أنّ فتح مكتب لقسم الشرطة السياحية في المطار يفتح الشهية والرغبة لبقية القطعات والمديريات بفتح مكاتب لها تحت ستار الصلاحية الاقليمية التي تشمل الاراضي كافة، وهذا فيما لو حصل يؤدي الى خراب البصرة»… إعتراف ضمني بما هو الحال عليه في المطار.

فاستعمال كلمة شهية هو اعتراف ضمني او قناعة في اللاوعي أنّ الموضوع هو موضوع مأدبة، فخراب البصرة اليوم يتمثّل بوجود عدة اجهزة امنية، بعضها يقدم خدمات مقابل إكراميات. (من يود الاطلاع على الكتاب سننشره على صفحتي على الفايسبوك).

مراسلات متكرّرة مع الوزارات المعنية والمؤسسات الامنية كان فحواها التشدد في ضبط مخالفات سائقي التاكسي، خصوصاً أنّ الفضيحة اليوم هو أنّ التعرفة هي اكثر من ضعف التعرفة الرسمية، التشدّد في منع التدخين في المطار، ضرورة استعمال كلّ آلات السكانر المتوافرة، إلغاء الخدمات الخاصة المتعلقة بمناداة أسماء الركاب، درس إمكانية اعتماد نقطة واحدة للأمن العام عند الخروج، درس إمكانية فتح مسرب خاص لحاملي بطاقات رجال الاعمال والدرجة الاولى، درس إمكانية وضع كاميرات مراقبة داخل المطار في نقطة الجمارك وفي نقاط استرداد الضريبة على القيمة المضافة، تحسين وتجميل المساحات المحيطة بالمطار وقد أتانا الجواب أنّ زرع العشب سيحوّل محيط المطار الى مرتع للطيور والكلاب الشاردة (الكتاب ايضاً سينشر على صفحتي)، إعداد دراسة شاملة عن موضوع إنشاء السور الامني حول المطار. وللأمانة التاريخية، فإنّ المديرية العامة للأمن العام كانت الأكثر تجاوباً وقامت بإجراءات حازمة في هذا الاطار.

نعم كانت معركة طويلة، وهذا تحديداً ما أثار حفيظتي نهار الجمعة الفائت، فبعد هذه المسيرة والمحاولات لا شيء تغيّر، فالإصرار على مخالفة القانون والفوضى مستمرة، والأسوأ أنّ ما يُشجّع هذه الفوضى هو صمت المواطن وخوفه، فتراه يشاهد التعدّي الواضح على حقوقه ويشاهد التجاوزات من دون أن يبادر الى أيّ ردود فعل.

أستذكر اليوم مفكراً كبيراً ومقاوماً من بلادي، المعلم والاديب سعيد تقي الدين، والذي أنشأ حركة «كل مواطن خفير» وكان هدفها الاساسي أن يحاول كل مواطن كشف العملاء لإسرائيل وفضحهم، في حركة وطنية حقيقية تمثّل التزام المواطن بالقيَم.

ما أحوجنا اليوم الى مثل هذه الحركة، ولكن أن يكون المستهدف هو كل من يخالف، ويسرق ويستهتر بحقوق المواطنين، فكما يبدو واضحاً أنّ الشكوى الى المسؤول لم تعد ذات جدوى، يجب أن يُصار الى إطلاق حملة مدنية تحت عنوان «كل مواطن خفير»، وفاء لذكرى المفكر الكبير سعيد تقي الدين والذي تمّ تجهيله من المناهج الدراسية، وتغييب أفكاره.

نعم يجب أن يتحوّل كل مواطن الى خفير يتابع ويفضح المخالفات والتعديات والسرقات، من واقع السير في لبنان، الى من يَرمي نفاياته على الطرقات، الى الموظف المُرتشي، الى من يُهين مواطناً أو يُؤخّر معاملته في دائرة رسمية، يجب أن يتم توثيق الحادثة إن عبر الصورة او التفاصيل، واليوم يمكن الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لتعميم هذه الثقافة.

لن يستقيم المجتمع إذا استمرّ المواطن الصالح بالعَضّ على جرحه وعدم الاعتراض، فكما يقال الفاجر يأكل مال التاجر، واليوم الفجور ازداد في مجتمعنا الى درجة الفضيحة حيث تحوّل المخالف الى قبضاي والحرامي الى شاطر، فلنفضَح كل قبضاي وكل شاطر قبل أن نغرق جميعنا في مركب واحد.