IMLebanon

قانون التبادُل الضريبي..خطوة ناقصة

أقرّ مجلس النواب الأربعاء مشاريع قوانين وعلى رأسها قانون التبادل الضريبي الذي سيكون له تداعيات كبيرة في معظمها إيجابية. ولكن يبقى السؤال ماذا يتضمّن هذا القانون وما هي التداعيات على المواطن اللبناني؟

الجرائم المالية هي نشاطات مالية غير شرعية تتخطى القوانين المرعية الإجراء في البلدان المعنية. وتنتشر هذه الجرائم على الصعيد الدولي عبر الحركة الكبيرة لرؤوس الأموال التي تتم بمساعدة الجنات المالية والضريبية، ولكن أيضًا على صعيد الشركات والجمعيات والبلديات بواسطة عصابات، وعلى الصعيد الفردي عبر الإختلاس لمصلحة أشخاص.

تشمل الجرائم المالية الإحتيال الضريبي، غسل الأموال، الفساد، الإختلاس، إساءة استخدام الأموال العامة… وغيرها. وبحسب البلدان وأنظمتها المالية، تتمّ مكافحة الجرائم المالية بنسب متفاوتة، فمثلًا في الولايات المُتحدة الأميركية يُعتبر التهرب الضريبي جريمة في حين أن اللشتنشتاين تتعامل مع التهرب الضريبي كجنحة يدفع من خلالها المُخالف غرامة مالية.

وغالباً، هناك محدودية للقوانين الوطنية في مكافحة الجرائم المالية نظراً للهندسة المالية العالية التي تتمتع بها الجرائم المالية ولحجم رؤوس الأموال موضوع الجرائم. هذه المحدودية تتزامن مع حرب ضروس بين القوى العظمى لجذب رؤوس الأموال (أميركا وروسيا).

منذ أحداث ١١ أيلول أخذت الولايات المُتحدّة على عاتقها محاربة الجرائم المالية في العالم مع التركيز على مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، نقل الأموال عبر الحدود، والتهرب الضريبي.

وإذا كان السبب خلف هذا الاهتمام أمّني بإمتياز إلا أن البعد الاقتصادي والمالي لهذه العمليات أصبح الشغل الشاغل للمجتمع الدولي. في الواقع أبعد من البعد غير الأخلاقي للجرائم المالية، هناك بعد إقتصادي هائل يُقدّر بأكثر من ٤٠٠٠ مليار دولار أميركي سنويًا أي ٥٪ من الناتج الإجمالي العالمي.

تتشابك الجرائم المالية بعضها ببعض، ونادرا ما يتمّ فصلها عن بعضها البعض دون إثباتات نظرا للسريّة التي ترافق العمليات المصرفية. هذه الجرائم تقوم على مبدأ إدخال أو نقل أموال إلى النظام المالي من خلال عملية تبييض للأموال (إدخال أموال وسخة إلى النظام المالي الوطني والعالمي).

وبحسب الإحصائيات، تبقى نسبة المُخدرات النسبة الأعلى من ناحية تبييض الأموال إذ تُمثّل ٣٤٪ من مجمل الأموال المُبيّضة في العالم. ويأتي التهرب من الجمارك في الدرجة الثانية مع ١٩٪، الإرهاب ١٪ ومجموع النشاطات الأخرى ٤٦٪.

هنا، يُطّرح سؤال جوهري: حجم الأموال الوسخة والتي يتمّ تبييضها كل عام تتخطى حجم إقتصاد كالإقتصاد الألماني أو البريطاني. إذًا كيف يُمكن للأشخاص إدخال أو نقل هذه الأموال إلى النظام المالي دون معرفة السلطات الرسمية بذلك؟

في الواقع عدد من النشاطات الاقتصادية (الشرعية) تتعاطى كثيراً بالأموال النقدية ومنها المطاعم، السوبرماركت، محال الألبسة، محطات الوقود… وهذا الأمر يُشكّل فرصة لإستخدام النشاط الاقتصادي الشرعي لأهداف غير شرعية. أضف إلى ذلك فإن شركات الأوفشور تلعب دورًا أساسيًا في التهرب الضريبي على الصعيد الدولي كما أظهرته أوراق بنما.

كلفة التهرب الضريبي عالية جدًا على الدول وماليتها، ففي الولايات المُتحدة الأميركية مثلًا تبلغ الخسارة ما يوازي الـ ٢٪ من الناتج المحلّي الإجمالي (٣٦٠ مليار د.أ)، الإتحاد الأوروبي ٢ إلى ٢.٥٪ (٤٦٠ مليار يورو)… ويتمّ التهرّب الضريبي عبر التصريح الكاذب، إخفاء الحقيقة، وتغيير النشاط الاقتصادي للأموال.

وللوصول لهذه الغاية، يتمّ إستخدام وسائل منها الإحتفاظ بسبائك ذهب، تغيير الجنسية إلى جنسية بلد يجذب بسياسته الضريبية، خلق حساب في شركة تأمين، إستخدام هندسات مالية معقدة لتعتيم هوية صاحب الحق الاقتصادي، إستخدام نظام مصرفي يعتمد السريّة المصرفية.

يؤدي التهرّب الضريبي الى تداعيات سلبية على الاقتصاد والمجتمع. على الصعيد الماكرو إقتصادي هناك ضرر كبير آتٍ من الامور التلاية:

اولا- الإحصاءات خاطئة بحكم أن هذه العمليات هي سرية وبالتالي كل محاولة لقياسها تبقى ضمن نطاق التخمينات ولا تعتمد على أرقام دقيقة، بما يُضعف السياسة الاقتصادية.

ثانيا – تشويه سمعة البلد المعني وانعدام الإستقرار الإقتصادي فيه.

ثالثا – توزيع غير عادل للثروات كما هو منصوص عليه في اللعبة الاقتصادية.

رابعا – بعض العملات الوطنية قد تتعرض لهزات في حال كان أساس عمليات تبديل العملة آتٍ من عمليات غير شرعية وبالتالي إستحالة معرفة سبب الأزمة التي تمرّ بها العملة.

خامسا – الأموال الوسخة تُمثل خطراً على كفاءة الأسواق من ناحية أن نقل رأس المال يتمّ من خلال منطق خارج نطاق المنطق الاقتصادي.

سادسا – حجم العمليات قد يؤدي إلى زعزعة إقتصاد البلد بالكامل، خصوصاً إذا ما تخطى هذا حجم إقتصاد البلد.

على الصعيد الماكرو إقتصادي، الضرر ليس بأقلّ ويتمثّل بالزيادة في الإنفاق العام والتأثير «التآكلي» على المجتمع؛ والتداعيات على القطاع الخاص.

من خلال القانون الذي تمّ إقراره الأربعاء الماضي في مجلس النواب، أصبح في الإمكان لأي دولة من منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية

الحصول على معلومات مالية عن أي شخص وذلك بشكل تلقائي يتخطّى السرّية المصرفية. ويكفي لأي دولة من خلال وزارة المال فيها أن تتقدم بطلب إلى وزارة المال في لبنان ليتمّ تزويدها بالمعلومات التي تنقسم إلى قسمين: المعلومات التعرفية والمعلومات المالية.

تتمثّل التداعيات السلبية لهذا القانون بهروب مُحتمل لرؤوس الأموال إلى أماكن فيها مردود أعلى كما ورفع السرّية المصرفية ولو جزئياً. إلا أن هروب رؤوس الأموال لا ينطبق على الحالة اللبنانية من ناحية «خصوصية» زبائن المصارف اللبنانية وتقيّد هذه الأخيرة بالقوانين الدولية بما يزيد الثقة بالنظام المصرفي اللبناني ويسمح بالمزيد من الإنفتاح على المراسلين الأجانب.

أضف إلى ذلك الحرفية العالية للمصارف اللبنانية والتي ترتقي إلى نظيراتها الغربية كما والإمكانات الهائلة الكامنة في الإقتصاد اللبناني والتي تسمح بالإستثمار بعائدات عالية.

أمّا فوائد هذا القانون فتتمثل بالآتي:

(١) الضغط على التجار والمهن الحرّة لمكننة العمليات النقدية.

(٢) الدفع نحو الشمول المالي.

(٣) تحفيز التطور التكنولوجي في العمليات التجارية والمصرفية بشكل أوسع.

(٤) زيادة التفاعل الدولي بين المصارف.

(٥) تحصين المداخيل الوطنية عبر زيادة حجم مروحة الأموال الخاضعة للضرائب.

(٦) تحسين الإحصاءات الوطنية عبر قياس أدق للنشاطات الإقتصادية مما يعني سياسة إقتصادية ملائمة أكثر.

لكن هذه الفوائد لن تُترّجم إلا من خلال إعطاء وزارة المال اللبنانية المعلومات الضريبية عن المواطنين اللبنانيين. هذا الأمر لم يتمّ التصويت عليه وبالتالي فإن الخزينة اللبنانية ستبّقى تخسّر ١.٥ مليار دولار جرّاء التهرب الضريبي. من هنا يجب العمل على إعطاء وزارة المال هذه الصلاحية في ظل تعديل للقانون المُقرّ حديثا.