IMLebanon

تغييرات وجودية واهتماماتنا شخصية

 

من المبكر الحديث عن دخول الشرق الأوسط مرحلة ما بعد كورونا. التوصيف الواقعي هو تراجع حدة انتشار الفيروس، ورغم ذلك فإنّ استثمار النتائج التي ترتّبت على وباء كورونا بدأ بالفعل.

 

منذ أسابيع معدودة وفي عز انتشار الفيروس، أصدرت شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية «أمان» تقديراتها حيال التأثيرات المتوقعة لكورونا على بلدان الشرق الاوسط، وعلى وجه التحديد على إيران والعراق وسوريا ولبنان والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

وأشارت هذه التوقعات الى أزمات اقتصادية ومالية كبيرة ما ستدفع هذه المجتمعات الى الجنوح للعنف، وربما الى ظهور حالات تفكّك في المجتمعات التي تشهد تعددية ونزاعات داخلية.

 

كذلك اعتبرت هذه التوقعات انّ التأثير المباشر سيطاول موضوع تمويل وتسليح المجموعات الموالية لإيران في المنطقة. وأضافت أنّ دولة مثل إيران إرتكز اقتصادها بنسبة 70 % على المدخول النفطي والغازي والذي شهد تراجعاً كبيراً في أسعار مبيعه، لا يمكنها الاستمرار في وتيرة الدعم نفسها سواء لـ»حزب الله» أو لجهودها العسكرية في سوريا، ولا حتى للمجموعات الفلسطينية الموالية لها.

 

هذه التوقعات تعكس الانصراف الاسرائيلي الكامل للتخطيط للمرحلة اللاحقة بهدف الاستفادة من الظروف التي نشأت بسبب كورونا. ويبدو انّ ساعة التنفيذ لم تعد بعيدة، ذلك انّ اسرائيل تستعد لوضع قيادة الجيش في حال التأهّب القصوى استعداداً لنزاع دموي متوقّع على خلفية إعلان الحكومة الاسرائيلية ضَم أجزاء من الضفة الغربية الى سيادتها في أول تموز المقبل، مع العلم انّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لَمّح الى الفرنسيين أنه قد يعمد في نهاية الامر الى تأجيل إعلان ضَم الضفة حتى آخر الصيف.

 

وتخطّط القيادة الاسرائيلية لدرجات مختلفة من العنف بدءاً من الانتفاضة الشعبية ووصولاً بالتدرّج الى المواجهة الشاملة. والأهَمّ ما جاء في بيان السفارة الاميركية في اسرائيل بتوجيه تحذير لمواطنيها من اندلاع أعمال عنف من دون سابق إنذار في الضفة الغربية، ونَصحتهم لتجَنّب السفر الى الضفة الغربية او قطاع غزة.

 

وخلال الاسابيع الماضية وفي إطار الاستعداد لقرار «الضَم»، أجرى الجيش الاسرائيلي سلسلة من التدريبات شملت قوات كبيرة وضمّت عشرات الالوف من جنود الوحدات النظامية والاحتياطية للانتشار بسرعة عند انطلاق أعمال العنف.

 

وذكرت صحيفة «يديعوت احرونوت» انّ رئيس الاركان الاسرائيلي افيف كوخافي زار أخيراً القيادة المركزية، ووقّع خطط المعركة والتي أطلق عليها اسم «الفجر في الجبال».

 

ذلك انّ هنالك إجماعاً اسرائيلياً على انّ ضَم جبال الضفة الغربية هو ضرورة عسكرية اسرائيلية وهدف استراتيجي. ووفق «هآرتس» فإنّ كوخافي سيصدر تحذيراً للقيادة العسكرية حول تصعيد مُحتمل قبل تموز المقبل.

 

كل ذلك يؤكد انّ البركان الامني حاصل خلال الاسابيع القليلة المقبلة. صحيح انّ الرئيس الاميركي دونالد ترامب أوفَد وزير خارجيته مايك بومبيو الى اسرائيل طالباً تأجيل الضَم الى ما بعد الانتخابات الاميركية، لكن لـ»حكومة الوحش» الاسرائيلية رأي آخر. فالرئيس الاميركي يغرق أكثر فأكثر في مستنقعاته الداخلية، فبعد «فوضى» مواجهة كورونا هنالك الكارثة الاقتصادية، والجديد الفوضى الداخلية بسبب انتفاضة السود للمرة الاولى بهذا الحجم من ستينات القرن الماضي. ما يعني بالنسبة الى الاسرائيليين أنّ احتمالات سقوط ترامب في الانتخابات في تصاعد مضطرد، وهو ما يحتّم إنجاز ضَم ثلث الضفة قبل وصول الديموقراطيين الى البيت الابيض، نظراً لمعارضتهم خطوة الضَم.

 

كذلك فإنّ ترامب الذي يعمل بذهنية رجال الاعمال، سيعطي الاولوية لحاجاته الانتخابية، وبالتالي سينتظر من نتنياهو تسديد الديون السياسية التي قدّمها له من خلال مَد يد العون له في الانتخابات. والمقصود هنا ليس فقط من خلال كسب أصوات اليهود بل لمساعدته في حَض الانجيليين المؤيّدين لإسرائيل للذهاب بكثافة الى صناديق الاقتراع. فهؤلاء يؤمنون بأنّ عودة المسيح لن تتحقق الّا عندما يسيطر اليهود على القدس كلها. لكن في المقابل فإنّ الفلسطينيين، الذين يزداد وضعهم الاقتصادي سوءاً، لم يعد لديهم شيئاً ليخسروه، ما يعني حتمية اندفاعهم في ردة فعل عنيفة. ولإسرائيل هدف أبعد من ضَم ثلث الضفة الغربية. فالوضع الاقتصادي الصعب للأردن يحفّزهم للدفع في اتجاه تقسيم الاردن الى دولتين: أردنية وفلسطينية. ولهذا قال نتنياهو انّ الفلسطينيين الذين سيعيشون تحت الحكم الاسرائيلي في غور الاردن لن يحصلوا على الجنسية الاسرائيلية. وهو ما يعني ضمناً دَفع نحو ستين ألف فلسطيني الى الرحيل في اتجاه الاردن. لذلك يُبدي الاردن مخاوف كبيرة ممّا سيحصل في الضفة، ولذلك ايضاً أرسلت تل أبيب رئيس الموساد يوسي كوهين الى القاهرة بهدف طلب المساعدة المصرية على ضبط ردة الفعل الفلسطينية في غزة والضفة، وكذلك لدور مصري في تعديل موقف الاردن. فإسرائيل تدرك انّ عودة العمليات الانتحارية سيكون موجِعاً لها. وليست هذه هي المشكلة الوحيدة لها، ذلك انّ الجنود الاسرائيليين ليس لديهم الحافز المطلوب لخوض معارك شوارع وهو ما يعني تصعيد القصف من الجو والبر ما سيُفاقم حجم المجازر. وفي موازاة ذلك هنالك من يضع الساحة السورية في دائرة الخطر ايضاً. ووفق «الفورين بوليسي» فإنّ ايران تمتلك 11 قاعدة في سوريا اضافة الى 9 قواعد لميليشيات حليفة لها و15 قاعدة اضافية لـ»حزب الله» بعضها في جنوب سوريا، وهو ما تركّز عليه إسرائيل، ذلك انّ الحكومة الائتلافية الاسرائيلية تعتقد أنّ الفرصة جاهزة لإحداث التغيير التاريخي، وترسيخ توازنات إقليمية مختلفة. صحيح انّ اسرائيل تحاذر المَس بالساحة اللبنانية، لكن هذه التطورات الهائلة التي تحضّر لها اسرائيل ستنعكس على لبنان من دون أدنى شك.

 

من هنا أهمية طريقة التجديد لقوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) العاملة في الجنوب، ومن هنا ايضاً أهمية ترسيم الحدود الجنوبية والتركيز ايضاً على الحدود مع سوريا، والتي قيل انّ روسيا وعدت بالقيام باللازم من الجهة السورية. وليس سراً انّ رادارات البحرية الالمانية والمتطورة جداً والموجودة قبالة الساحل اللبناني قادرة على التقاط أدقّ التفاصيل وصولاً الى العمق السوري. ويُروى انّ هذه الرادارات كانت تُتابع مسار المعارك في سوريا.

 

طبعاً إنّ الحسابات تلحظ الوضع الاقتصادي المريع الذي يعيشه لبنان، والذي يجعل الواقع صعباً جداً. ورغم ذلك فإنّ حسابات الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان تبقى في إطار لعبة المال والنفوذ، فيما المشاريع المطروحة هي مشاريع وجودية.

 

مشكلة لبنان في أنانيّة حكّامه.