IMLebanon

يا مهاجرين…ادفعوا

 

 

خرج رجل خمسيني مبتسم من صالة المسافرين في مطار رفيق الحريري الدولي وخلفه جرى حمّال يدفع عربة مشقوعة حقائب و”بقج” وعلب هدايا، فهرعت إليه حاملة نساء وأوسعته شمّاً وضمّاً وفرزاً وتقبيلاً، فاختلطت رائحة التوابل برائحة الكولونيا بروائح البصل والسجائر والعرق والغربة. وكانت ذراعاها تطوقانه ككماشة ويداها “تدسدسانه” غير مصدّقة عودته المفاجئة وتستكشفان إن كان محشوّاً دولارات طازجة وقد لامستا مؤخرته الضخمة. وفهِم من رشق كلماتها أن اسم المغترب للّوس وهي سوسو الإبنة البكر لعمته لوريس، وقد جاءت لاستقباله على رأس فصيلة من الأقارب. وتلقت سوسو الصدمة الأولى عندما ابتعدت عربة الحمّال عنهما وتبيّن لها أن للّوس لا يحمل سوى حقيبة وكرش ودمعة شوق وابتسامة بلهاء، والأرجح أن ليس في جيبه أكثر من 80 مليون بوليفار.

 

لم يبقَ للمقيمين سوى المغتربين، إلى مغتربينا عيوننا ترنو كل يوم، إلى ما يحملونه من عملة صعبة بشكل خاص. في شهر كانون الأول المبارك ما عاد اللبنانيون يهتمون لعداد كورونا، إصابات ووفيات، ولا لعدّاد البنزين ولا لعداد اشتراك الموتور ولا لعدّاد الأيام المتبقية من “العهد القوي” ولا لسعر الـ “فو فيليه” في بورصة الدكوانة ولا لأسهم البَيض، ولا للأرباح الهزيلة الناجمة عن آخر تعميم أصدره العم رياض. لم يبق للبنانيين المقيمين حسابات جارية ليجروا خلفها، ولا حسابات تدر عليهم فوائد جمّة. المغتربون هم الإستثمار. هم رائحة الدولار.

 

سقطت كل انقسامات اللبنانيين وتبايناتهم بين مين مع بي الكل ومين مع ضابط الكل ومين مع طارق الكل. توحّد المقيمون حول عدّاد الوافدين لتمضية عطلة الأعياد. 60 ألفاً بلغ عدد الوافدين. 70 ألفاً. 80 ألفاً 100 ألف. الرقم يتخطى الـ 120 ألف وافد. وتبدأ الآلات الحاسبة تحسب مصروف المغترب اليومي. فإن كان معدل مصروف الوافد 135 دولاراً في اليوم فـ 120 الف منتشر سيصرفون في 15 يوماً ما مجموعه 243 مليون دولار يضخّونها في شرايين الفنادق والمجمّعات والأسواق والمطاعم ومراكز التزلج واللهو وفي دعم أسرهم. وليتهم يمددون عطلة الأعياد شهراً لإنفاق ما في الجيب…وما سيأتي من الغيب.

 

المغتربون الأمل والمرتجى. السراج والفتيلة. الحبشة وحشوتها. العيد والعيدية. همُ الأوكسيجين. الأمل. المصل. البلسم الشافي. عسى أن يكون للّوس، الوافد من فنزويلا، الطفران الوحيد بين قوافل المحبّين.