IMLebanon

مواجهة «التوتّر العالي» القاتل: مَن يصرخ أولاً!

 

الخناق المفروض على إيران سيؤول مهما تأخّر الوقت إلى جلبها إلى طاولة التفاوض

 

إيران التي تباهت بأنها تسيطر على 4 عواصم عربية تدرك اليوم أنها دخلت مرحلة الخسائر

المواجهة المفتوحة بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وبين إيران وأذرعها العسكرية المنتشرة في أكثر من بلد هي مواجهة «النَفَسْ الطويل»، على قاعدة من «يصرخ أولاً». هي حرب استنزاف، يأخذ سلاح العقوبات الاقتصادية الأميركية ضد النظام الإيراني الحيز الأكبر فيها، وسط رهان على أن طهران غير قادرة على الصمود طويلاً في ظل الخناق المفروض عليها، ما سيؤول عاجلاً أم عاجلاً إلى الإتيان بها إلى طاولة المفاوضات. والتقديرات هنا تتفاوت بين عدد الأشهر لكنها لا تتجاوز السنة. وخلال ذلك ستكون لعبة «عض الأصابع» هي الغالبة.

 

ما يحصل راهناً يصبّ في هذه المعادلة رغم ارتفاع حال التوتر أخيراً، والمخاوف من الانزلاق إلى الحرب، على وقع التقارير الاستخباراتية عن هجوم محتمل على القوات الأميركية في العراق، ورفع الولايات المتحدة جهوزيتها العسكرية بإرسال حاملة الطائرات إبراهام لينكولن وقاذفات «بي52» إلى الشرق الأوسط تحسباً لذلك، في رسالة لطهران أن واشنطن سترد بقوة على أي استهداف لمصالحها أو مصالح حلفائها في المنطقة التي دخلت  في الأيام الماضية الاختبار الأول بعد تعرّض 4 ناقلات للنفط لـ«عمليات تخريبية» في المياه الاقتصادية الإماراتية في الفجيرة واستهداف محطتي ضخ للبترول في منطقة الرياض بطائرات مسيّرة بدون طيار مفخخة.

 

في واقع الأمر، تخوض المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة، ضمن التحالف العربي، حرباً واضحة المعالم ضد ميليشيات الحوثي التي تشكل ذراعاً عسكرية إيرانية في اليمن. تلك الحرب التي انخرطت فيها الرياض وأبوظبي بالمباشر بعد انقلاب الحوثيين على الشرعية اليمنية واستيلائهم على السلطة، دفاعاً عن أمنهما القوميين وأمن الخليج عموماً، وسعياً إلى إعادة قدر من التوازن الذي اختلّ بفعل تمدّد طهران في المنطقة ومحاولاتها تطويق السعودية. غير أن هذه الحرب، رغم كلفتها المرتفعة، هي جزء من حرب الاستنزاف ضد إيران.

 

ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها أذرع إيران أمن المملكة وأمن الإمارات. فالصواريخ البالستية التي يُطلقها الإيرانيون بغطاء حوثي من اليمن باتجاه السعودية فاقت المئة، وطائرات «الدرون» المفخخة حاولت أكثر من مرة استهداف مطاريّ دبي وأبوظبي، وكلها تأتي في إطار المواجهة المفتوحة، فما الذي تغيّر الآن؟

 

الذي تغيّر أن إيران الخاضعة لعقوبات نفطية مع بدء مرحلة «تصفير صادرات النفط» وإدراج الحرس الثوري على قائمة الإرهاب وتضييق الخناق الاقتصادي والمالي عليها وعلى أذرعها العسكرية، تدرك أن المواجهة الراهنة تختلف عن سابقاتها بفعل عوامل عدة تبدأ من تراجع قدراتها بفعل إنهاكها نتيجة انخراطها في الحروب في سوريا والعراق واليمن وغيرها، وتمرّ بصرامة العقوبات وتربّص واشنطن بمن يحاول خرقها والالتفاف عليها من الدول، ولا تنتهي عند حراجة وضعها الداخلي مع حال التذمر الشعبي الذي لا يمكن التنبؤ بمآلاته.

 

وإيران التي تباهت بأنها تسيطر على أربع عواصم عربية تدرك أيضاً اليوم أنها دخلت مرحلة الخسائر. فإن بادرت ستخسر وإن انكفأت ستخسر، حتى أن اللعب على حافة الهاوية بات يتطلب منها حسابات دقيقة جداً لأن دعسة ناقصة غير محسوبة بدقة قد لا تبقيها بمنأى عن الاستهداف المباشر، ولن يتم الاكتفاء بضرب وكلائها من الأذرع العسكرية التي تستخدمها وتحركها.

 

وفي رأي متابعين، فإن ما جرى من عملية تخريب لناقلات نفط قبالة المياه الإقليمية للإمارات واستهداف محطتي ضخ للبترول التابعتين لشركة أرامكو السعودية وتبني الحوثي لها، لا بد من قراءته من زاوية الحسابات الدقيقة لـ«إيران الموجوعة» التي تدفعها إلى القيام بردود «مدروسة ومدوزنة» تُوجّه عبرها رسائل تلامس خط «التوتر العالي» القاتل.  وهي أرسلت توقيعها من خلال طبيعة العمليتين اللتين استهدفتا النفط، لكنه توقيع لن تستطيع المجاهرة به، مهما بلغت حاجتها المعنوية إلى ذلك. وأبقت «تخريبها» ملتبساً وذات أضرار محدودة. العملية الأولى جرت في بحر عُمان رغم تهديدها ووعيدها بإقفال «مضيق هرمز»، والعملية الثانية ربطها الحوثيون بالحرب عليهم وليس على أنها جزء من تداخل الساحات ووحدوية المعركة.

 

وبالتوازي، كان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي يعلن أنه «لا حرب مع أميركا» و«لا مفاوضات مع هذه الإدارة لأنها ستكون سماً زعافاً»، واصفاً الصراع اليوم بأنه «ليس صراعاً عسكرياً بل صراع إرادات». هنا «بيت القصيد»: الصراع  هو على من يصمد أكثر؟ إيران تحاول تمرير «الوقت الثقيل»، لكنها ستكون قادرة على التحمّل سنة ونصف السنة  إلى حين  معرفة هوية الرئيس المقبل في «البيت الأبيض»، وما إذا كان دونالد  ترامب نفسه هو الرئيس المقبل حيث المؤشرات – حتى اللحظة – تدل على حظوظه الكبيرة في انتخابه لولاية ثانية؟ وهل سيكون بإمكان طهران ضبط «عملياتها الانتقامية» بتوقيع وكلائها وغياب توقيعها من دون السقوط في الهاوية؟.

 

على أن المخاوف الراهنة لا تكمن في محاولة استهداف إيران لأميركا، التي تحصّن نفسها بزيادة حضورها الردعي في المنطقة، وسيكون ردّها بلا هوادة، بل في المدى الذي ستصل إليه في استهداف حليفيّ واشنطن، وما إذا كان في حسابها جرّهما إلى حرب معها أو حروب محدودة وضربات متبادلة، بحيث تخلط الأوراق وتمهّد للمجيء إلى طاولة المفاوضات على وقع النيران المشتعلة في المنطقة وليس فقط على أنين الوجع الذي تعيشه!.