IMLebanon

وقائع وتوجُّهات الناخبين تفرض على السياسيّين تغيير أسلوبهم في ممارسة السلطة

وقائع وتوجُّهات الناخبين تفرض على السياسيّين تغيير أسلوبهم في ممارسة السلطة

إستمرار الأزمة السياسية وتجاهل مطالب المواطنين يهدّدان بتداعيات لا يمكن حصر نتائجها

إن غياب رئيس للجمهورية في هذه المرحلة يُبقي سلاح «حزب الله» متفلتاً من أية ضوابط رسمية وشرعية ويتحرك بلا عوائق أو حواجز عبر الحدود

لا شك أن من أهم أسباب النقمة الشعبية ضد الطبقة السياسية برمتها والتي كشفتها وقائع ونتائج الانتخابات البلدية في معظم المناطق والمدن والبلدات وتبيّن من خلالها مدى التباعد الذي بات يفصل بين النّاس وهذه الطبقة على اختلافها، إن كان من داخل السلطة أو خارجها، هو رفض التعايش والتطبيع مع حالة الاهتراء وسوء الأداء السياسي والسلطوي الناجم عن مصادرة الدولة وتجاوز الدستور وتعطيل انتظام الدورة السياسية الطبيعية والاستهانة بالقانون وتفشي الرشوة واستهانة استباحة المال العام واستمرار الزج بلبنان بصراعات المحاور والحروب المذهبية على حساب مصالح واستقرار وأمن الشعب اللبناني كلّه.

فما ظهر بوضوح من توجهات وخيارات الشعب اللبناني موجه ضد الطبقة السياسية برمتها ولو بنسب متفاوتة، ولكنه لا يعفي أحداً من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع السائدة حالياً من تدهور بات يُهدّد بتفاعلات وتداعيات خطيرة لا بدّ من التنبّه لها ومعالجتها ووضع الحلول المطلوبة لها قبل فوات الأوان، لأن ما حصل خلال العملية الانتخابية البلدية لم يكن المؤشر الأول لاستياء النّاس من ممارسات الطبقة السياسية، بل سبقه جرس إنذار تمثل بالتحركات الاحتجاجية ضد فشل السلطة بمعالجة مشكلة النفايات والفساد المستشري وقد يكون التحرّك الشعبي المقبل أوسع انتشاراً ويؤدي إلى انتفاضة عارمة قد يصعب تحديد نهاياتها ونتائجها على الوضع العام في البلد.

أما لماذا الاستياء من الطبقة السياسية كلها إن كانت المشاركة في السلطة أو خارجها، أو الحريصة على مشروع الدولة أو المعطّلة لكل جهود قيام الدولة والمعرقلة لبسط سلطتها على كل الأراضي اللبنانية.

أولاً:الإستياء من الأطراف المسؤولة مباشرة عن إفتعال الأزمة السياسية القائمة التي يتخبّط فيها لبنان منذ مدة طويلة جرّاء تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية وهي أطراف معروفة من الجميع وتحديداً «حزب الله» وحليفه «التيار العوني»، وما تزال حتى اليوم تمعن في عرقلة كل الجهود والمبادرات المطروحة لحل الأزمة القائمة من خلال محاولاتها طرح إسم مرشحها النائب ميشال عون لمنصب الرئاسة وفرضه على الأطراف الآخرين المعارضين لهذا الطرح خلافاً لكل الأسس الدستورية، في حين أن الهدف الأساس من محاولة فرض هذا الطرح بالقوة على الرافضين الاستمرار في تعطيل انتخابات الرئاسة وإبقاء لبنان بلا رئيس للجمهورية في هذه المرحلة بالذات كي يتسنى للحزب والنظام الإيراني من ورائه إبقاء لبنان قاعدة انطلاق للتدخل في الحروب الأهلية والصراعات في العديد من الدول العربية المجاورة ولابتزاز العديد من الدول الأخرى خدمة للمصالح والطموحات الإيرانية بالمنطقة. ويضاف إلى ذلك أن غياب رئيس للجمهورية في هذه المرحلة يُبقي سلاح «حزب الله» متفلتاً من أية ضوابط رسمية وشرعية ويتحرك بلا عوائق أو حواجز عبر الحدود للمشاركة في حرب نظام بشار الأسد ضد أبناء الشعب السوري المنتفضين عليه، متجاوزاً رفض معظم الشعب اللبناني والحكومة اللبنانية لهذه التصرفات التي تتعارض مع مصالح لبنان وتهدد الأمن والاستقرار اللبناني كلّه.

ثانياً: الاستياء من الأطراف السياسية الأخرى التي تدعو وتصر على انتخاب رئيس للجمهورية باستمرار وتقدم المبادرة تلو المبادرة والتنازلات لتحقيق هذا الهدف وترفض مشاركة «حزب الله» بالقتال في سوريا، لأنها فشلت في ممارستها السياسية بالتصدي لمخطط «حزب الله» بتعطيل الانتخابات الرئاسية ومنعه من الاستمرار في زج لبنان بالصراعات العربية والإقليمية، وأصبحت وكأنها عاجزة عن الإبقاء بوعودها والتزاماتها وغير قادر على ممارسة أساليب الضغط المطلوبة لإخراج لبنان من محنته، وباتت نوعاً ما متعايشة مع الوضع المتردي والذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم ومُسلّمة بالأمر الواقع وغير قادرة على القيام بخطوات جديدة مبتكرة لوضع حدّ لاهتراء مؤسسات الدولة وإداراتها ككل وانطلاقاً من هذه الوقائع والممارسات، يعتبر المواطنون وبأغلبيتهم الساحقة أن كل الطبقة السياسية مسؤولة عن الوضع المتردي الذي بلغه لبنان في هذه المرحلة، وقد تمّ التعبير عن هذا الاستياء في الانتخابات البلدية التي شكلت متنفساً لهؤلاء الناس لإبداء آرائهم ونقل اعتراضاتهم لكل الأطراف السياسيين بدون استثناء، لعل هذا الرفض يؤثر في تغيير الممارسة السلطوية والسياسية نحو الأفضل وإن كان ذلك صعباً في ظل استمرار حروب المنطقة وتشابكاتها وما يدبر لها، إن لم يكن مستحيلاً.