IMLebanon

“دولة الفريد”… فقيد الكورة وكل لبنان

 

يُترك للتاريخ الحكم على أي سياسي دخل المعترك في بلد يمرّ بأسوأ فترات الحكم بعدما كفر الشعب بالسياسيين.

بالأمس رحل «دولة الرئيس» فريد مكاري على غفلة بعد صراع مع المرض، فهو ابن أنفه الكورة، دخل المعترك السياسي في مرحلة الإنحطاط: البلاد خارجة من حرب، السوري يمسك الحكم بقبضة من حديد، والمكوّن المسيحي الحرّ مُضطهد، كل السيئات ترتكب ونعمة المعارضة غير موجودة، وعلى الرغم من كل الصعاب والمحرمات والتجاوزات لمع اسم فريد مكاري كأحد أهم السياسيين المقربين من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكرمز من رموز 14 آذار، فافتتح مسيرته رسمياً بالترشح لانتخابات 1992 في دورة المقاطعة المسيحية والوطنية وبقي نائباً حتى العام 2018.

قد يكون مكاري من السياسيين القلائل الذين قرأوا إتجاه السياسة اللبنانية، فعندما أتاه زميل في 14 آذار يشكو من عدم التزام الشباب بمنطق آبائهم، أي مبايعة الزعامات التقليدية والعائلية، واتجاه غالبيتهم نحو الأحزاب، أجابه مكاري: «السياسة ليست ثابتة إنما متحركة، الأحزاب تقدّم المراكز والمناصب للشباب، بينما الشخصيات التقليدية تورّث كل ما تملك لأولادها».

كان مكاري مدركاً هوى الشارع المسيحي واللبناني، ويُعتبر من السياسيين القلائل الذين لم يورثوا أولادهم النيابة، فقد اعتزل وقرّر عدم الترشح للنيابة في دورة 2018 في عزّ قوته وكأنه قرأ أننا متجهون إلى جهنم، إذ كان يُعتبر من القوى الأساسية والفاعلة في الكورة.

شقّ مكاري طريقه بنفسه، فهو لم يرث زعامة كورانية ولم يورّث زعامة، فبعد بروز نجمه، حاول التقرّب من أهالي الكورة وكان منزله في أنفه مفتوحاً أمام كل الكورانيين، ووسط السطوة السورية وتجذّر الحزب «السوري القومي الإجتماعي» إستطاع مكاري إختراق الحصون القومية وكان ينال عدداً كبيراً من الأصوات في بلدة أميون التي تُعتبر أحد أهم مراكز تواجد «القومي».

دخل مكاري نادي الأرثوذكس الكبار بعد انتخابه نائباً لرئيس مجلس النواب العام 2005، ففي تلك الفترة قلبت 14 آذار الطاولة وخرج الإحتلال السوري، فكانت هذه القوى بحاجة إلى شخصية أرثوذكسية لها وزنها في صلب ثورة الأرز، فوقع الإختيار على مكاري الذي أُعيد انتخابه نائباً لرئيس المجلس في دورة 2009 وظلّ حتى 2018.

كانت إنتخابات 2009 أساسية بالنسبة إلى مكاري لتثبيت زعامته الأرثوذكسية، ففي المراحل السابقة كان عدد ممن يعتبرون أنفسهم زعماء أرثوذكساً وعلى رأسهم النائب الراحل ميشال المرّ «يهتّون» مكاري ويقولون إنه لا يمثّل الأرثوذكس، لكن إجراء إنتخابات 2009 على أساس قانون القضاء وحلول مكاري أوّل في القضاء حيث الأغلبية الأرثوذكسية، دفعه إلى القول، بعد صدور النتائج وفوز المرّ والنائب سامي الجميل وحيدين في المتن بعدما وعد المرّ بفوز سبعة من أعضاء لائحته: «الآن قد أظهر الأرثوذكس من يمثّلهم».

شكّل مكاري إلى جانب «القوات اللبنانية» وشخصيات 14 آذار قوة دفع بعد 2005 أزاحت الصورة التي كانت سائدة عن أن الكورة قومية سورية وسادت صورة جديدة مفادها بأن الكورة قومية لبنانية وعمود فقري من أعمدة السيادة.

كاد مكاري يترأس حدثاً يشهده لبنان للمرّة الأولى لكنه فرمل. فبعد «حرب تموز» قرر «حزب الله» وحلفاؤه إقفال مجلس النواب والإنقلاب على نتائج الإنتخابات وأقفلوا المجلس، وقد عمد «الحزب» والحلفاء إلى تعطيل نصاب إنتخاب رئيس الجمهورية، فأفتى البعض بعقد جلسة انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً وبرئاسة نائب رئيس المجلس فريد مكاري، لكن التطورات المتسارعة آنذاك عدّلت في هذا القرار.

إذاً، رحل مكاري وهو الذي اعتزل السياسة قبل الرحيل، رحل والبلاد في القعر والسيادة لم تتحقق بعد الإنسحاب السوري، والأهم رحل ومشروع 14 آذار لم يُنفّذ.