IMLebanon

قدر التمديد .. وكأس الفوضى

منذ بداية الكلام عن التمديد للمجلس النيابي، طُرح الموضوع بين الحلفاء في 14 آذار.

كان رأي سمير جعجع السير في الانتخابات إلى النهاية، بحيث يكون من أوّل مهمّات المجلس النيابي الجديد انتخاب رئيس للجمهورية، ومن ثمّ انتخاب رئيس المجلس في جلسة واحدة.

أنصَت الرئيس سعد الحريري جيّداً إلى طرح جعجع، أوعز لماكينة تيار «المستقبل» بالاستعداد، إلّا أنّ قدر التمديد سبق الجميع: لا مفرّ من إبقاء المجلس النيابي قطعاً للطريق أمام الفوضى الدستورية الشاملة، خصوصاً في ظلّ تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية.

كان رئيس مجلس النواب نبيه برّي على خط التمديد منذ البداية، صدر عنه بعض مظاهر الرفض، ذلك بسبب التمديد السابق الذي لم يتحمّل «المستقبل» مسؤوليته الكاملة عندما حضرَ الأعضاء السُنّة في جلسة المجلس الدستوري، تاركين الأعضاء الشيعة يتحمّلون مسؤولية تعطيل النصاب.

أراد برّي هذه المرّة تحميل تيار «المستقبل» المسؤولية الكاملة للتمديد للمجلس النيابي، بحيث يبدو هذا التمديد كأنّه أتى بناءً على طلب الحريري. لاحقاً عمدَ رئيس المجلس إلى الكشف عن الحقيقة، عبر تأكيده أنّه لا يؤيّد إجراءَ الانتخابات في ظلّ مقاطعة المكوّن السنّي لها.

عمليّاً، لا يمكن إبداء مشاعر الأسف لعدم إجراء الانتخابات النيابية. هذه الانتخابات كانت ستُجرى بقانون الستين. البعض يقول إنّ خريطة مجلس النواب لن تتغيّر، والبعض كان يراهن على تغييرات في الوسط المسيحي، لكنّ جميع العارفين كانوا يجدون في تكرار هذه الانتخابات بالقانون نفسه، مجرّد استنساخ لنتائج العام 2009، أي مجرّد تكرار «بروفة» انتخابية، لن تغيّر كثيراً في الوقائع، باستثناء الاستنفار الرسمي والشعبي لإجراء الانتخابات، وسط مللٍ عام سببُه انعدام الحوافز على إمكان أن تؤدّي هذه الانتخابات إلى تغيير حقيقي.

في الوسط المسيحي كان هناك تنافس على تصدّر المشهد، بين القوى المسيحية، لجهة مَن يزايد على الآخر، برفضِ التمديد، وخوض معركة إجراء الاستحقاق الدستوري في أوانه.

القوى المسيحية في 14 آذار مقتنعة بالعمق بأنّ هذه الانتخابات إنْ أُجرِيت ستكون أشبَه بالمهزلة، لكنّها قرّرت أن تشارك في مهزلة أقلّ كلفة: مبارزة العماد ميشال عون شعبوياً، في رفض التمديد.

يعرف جعجع أنّ إجراء الانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية، هو طريق إلى الفوضى الدستورية الشاملة، وإلى تحقيق هدف حزب الله بهذه الفوضى، تمهيداً لطرح المؤتمر التأسيس والمثالثة، لكنّه في المقابل يعرف أنّ موقف عون معطوفاً على موقف البطريرك الراعي المعارض التمديد، يشكّل كرة ثلج مسيحية لا يستطيع مقاومتها. من هنا كان موقف «القوات» بعدم تأييد التمديد، الذي بجوهره يشبه في العام 1989، تأييد اتّفاق الطائف، والامتناع عن الجهر بتأييده.

أمّا النائب سامي الجميّل فإنه هو الآخر واقعٌ تحت ضغط المناخ المسيحي المؤيّد إجراء الانتخابات، من دون التعمّق بخطورة الفراغ في حال عدم القدرة أمنياً على إجرائها، ومن دون التأكّد من نتائج هذا المسار الذي سيؤدّي إلى تظهير عجز مسيحي عن انتخاب رئيس للجمهورية، في حين تسير المؤسسات الدستورية الأخرى وفقاً لسيناريو الحدّ الأدنى الذي لا يهمّش تراتبية مواقع الطوائف الأخرى.

يقود عون في الوسط المسيحي حملة مزايدة، منذ العام 1988، لم تؤَدِّ في كلّ محطة إلّا إلى إحداث أضرار جسيمة، ولعلّ الموقف من التمديد للمجلس هو آخر هذه المحطات، التي تعطي انطباعاً بأنّ المسيحيين يسيرون وفقاً لآليّة ردّات الفعل المتأثرة بمزاج رأي عام، لا يمكن الركون في كلّ مرة إلى صحّة اتجاهاته.

طالبَ أحد السياسيين المسيحيين من قوى 14 آذار الرئيس نبيه برّي بعَدم السير في التمديد، من دون موافقة القوى المسيحية الفاعلة («القوات»، العونيون، الكتائب) هذه المطالبة تحمل بدورها نوايا خبيثة، تهدف لإحراج القوى المسيحية التي تؤيّد بمعظمها التمديد للمجلس النيابي، والتي تريد من الحلفاء أن يأكلوا عصيّ التمديد بدلاً عنهم، لأنّ هذه القوى خضعت لمؤشّر المزايدة الذي فرضه عون. يعكس كلام هذا السياسي واقع الحال بأبرز تجلياته.