IMLebanon

ملفّ الرئاسة حضَر بين هولاند وروحاني

إختارَت واشنطن بدءَ الغارات الجوّية الجدّية للائتلاف الدولي على تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا مع بدء أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث يُشارك العديد من زعماء العالم المعنيّين بالحرب على «داعش»، وفي طليعتهم الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني.

التوقيت اختير بعناية فائقة. ففيما كان الشرق الأوسط يُجسِّد مسرح العمليات، جسَّدت نيويورك مسرح المفاوضات. وبلا أدنى شكّ شكّلَ اجتماع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بنظيره الإيراني حسن روحاني اللقاءَ الأبرز، أوّلاً بسبب عدم عقد لقاءات إيرانية – أميركية علنية على مستوى رفيع، وثانياً لأنّ واشنطن أوكلت باريس مهمّة تدوير الزوايا في بعض ملفّات الشرق الأوسط المعقّدة.

جدول الأعمال حافل، ووفق ما ردَّد ديبلوماسيّ فرنسي رفيع في بيروت، فإنّ هولاند الذي كان قد زار العراق واضطلعَ بمهمة إزالة الألغام التي تقف حائلاً في وجه التعاون الغربي مع إيران في حرب القضاء على «داعش»، أو بتعبير أدقّ التفاهم على رسم كامل صورة المستقبل، حضَّر جدول أعمال لقائه بنظيره الإيراني وفق نقاط عدّة وبالتسلسل الآتي:

1 – ملفّ المفاوضات النووية، حيث إنّ الجلسة المقبلة مقرّرة مبدئياً نهاية شهر تشرين الثاني المقبل. وقد سبق لقاء هولاند – روحاني كلامٌ عن سعي طهران إلى تليين موقف الغرب من ملفّها النووي في مقابل تعاونها مع الائتلاف. وهو ما يؤشّر إلى استمرار المواقف المتباعدة حيال هذا الملف على الأقلّ حتى الساعة. على رغم أنّ الأوساط الديبلوماسية المُطّلعة تبدو واثقةً من حصول اتفاق اميركي – إيراني على الملف النووي في نهاية المطاف.

2 – الملف العراقي والتركيبة الأمنية – العسكرية التي سيجري إيلاؤها القرار لاحقاً، وطريقة تقاسم النفوذ على الأرض، خصوصاً بعد زوال «داعش».

3 – الملفّ السوري لجهة مستقبل السلطة من خلال الحلول المطروحة له، وعلى أساس استئناف مؤتمرات التسوية لاحقاً. وفيما يبدو أنّ العواصم الغربية تُقرّ ضمناً بضرورة الحفاظ على التركيبة العسكرية والأمنية للنظام الحالي، بحيث تبقى العمود الفقري للدولة السورية مستقبلاً مع إدخال بعض التعديلات على مستوى الحكومة وتوزيع السلطات الأخرى، تبقى نقطة الخلاف على مصير الرئيس بشّار الأسد. ففي حين تُصرّ دوَل الخليج على إزاحة الأسد وإيصال شخصية أخرى من داخل النظام، بما يضمن استمرارَه ولكن مع إعطاء انتصار شكلي لخصوم الأسد، تتمسَّك إيران وروسيا وبطبيعة الحال دمشق، ببقاء الأسد على أساس أنّ رحيله سيؤدّي إلى انهيار النظام.

ولفتَ في هذا الإطار التمايزُ في المواقف بين طهران ودمشق، والذي ظهر علناً في طريقة التفاعل مع مبدأ إعلام السلطات السورية بالضربة فقط، بلا أخذ موافقتها. ففيما بدا تجاوب دمشق في إطار التمايز عن إيران التي ترى أنّ أولويّتها تكمن في تجميع الأوراق لصالح الملف النووي، بدت دمشق مستعدّة لتدوير الزوايا مع الغرب وتلقُّف فرصة التواصل المباشر الأوّل ولو الضعيف معه، وحصر الأوراق السورية بمستقبل النظام كأولوية.

وعلى رغم أنّ هذا التمايز كان قد ظهر ميدانياً في أولوية الجبهات الواجب حسمها، وفي موضوع عرسال حيث لا تُعارض دمشق ارتفاع منسوب الفوضى للاستعانة بها، فيما يريد «حزب الله» إقفالَ كلّ احتمالات توسّع المواجهة السنّية – الشيعية في لبنان، يؤكّد المُطّلعون عدم تأثير هذا التمايز على العنوان العريض الذي يحتضن التحالف القائم بين البلدين.

4 – ملفّ الرئاسة اللبنانية، حيث سعَت باريس سابقاً للتفاهم مع إيران على هذا الملف. لكنّ المصادر الديبلوماسية الفرنسية نقلت أنّ الردّ الإيراني بقيَ بارداً وسلبياً: «راجِعوا «حزب الله» في لبنان، فهو المعني بالملف».

وتنقسم آراء الديبلوماسيين الفرنسيين في هذا الإطار بين وجهتي نظر، إذ تقول الأولى إنّ الهدف هو ربط ملف الرئاسة بمصير النظام السوري، ما يعني استمرار الفراغ حتى الحصول على ضمانات حيال السلطة في سوريا. فيما تذهب الثانية أبعد من ذلك لتشير إلى أنّ موقف «حزب الله» مرتبط بإيران ومفاوضاتها النووية، مع ترك هامش إفادة للنظام السوري في حركة انتزاع شرعيته الدولية.

بالتأكيد تُدرك باريس أنّ حلّ أزمة الفراغ الرئاسي مرتبط بإنجاز تسوية داخلية تطاول الحكومة والتعيينات الأمنية وقانون الانتخابات. وعلى رغم أنّ شيئاً لم يَرشح عن اللقاء الفرنسي- الإيراني، إلّا أنّ الانطباع الغالب هو أنّه لن يكون سحرياً، وسيحتاج بعض الوقت على وقع اللهيب والضربات في المنطقة. هذا اللهيب الذي يؤشّر إلى تغييرات جغرافية حاصلة بدليل انقضاض «داعش» على أكراد سوريا.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار العلاقة الخفيّة الممتازة بين أنقرة و»داعش»، والتوجّس التركي التاريخي من توسّع كردستان وضمّ أكراد سوريا إلى دولة كردية قوية ومستقلة، يصبح الاستنتاج سهلاً… تركيا تريد أن تضمن المستقبل.

في جنوب سوريا عند الحدود مع إسرائيل، تغييرات لا تقلّ أهمّية تنبئ بقيام منطقة عازلة مستقبلاً، وهو ما يجعل منطقة شبعا في قلق. وفي عرسال، مخاطر ميدانية يمكن أن تأخذ تلك المنطقة إلى واقع آخر. وفي العراق، زوال مجموعات دينية ورسم خطوط داخلية جديدة بعد القضاء على «داعش».

حرب ستأخذ مداها الزمني الطويل ليس لصعوبة المعركة بل لأخذ الوقت الكافي لإنجاز التغييرات الجغرافية الكبرى. ربّما هذا ما أشار إليه النائب سليمان فرنجية أمس.