IMLebanon

الأمن الغذائي يبدأ بدعم المزارع

 

زراعة “البلكونات” أثبتت فشلها والمزايدات الشعبوية لم تُنتج إلا المزيد من ارتفاع الأسعار

 

إنتظر القاطنون في لبنان هذا الصيف تراجعاً ملحوظاً في أسعار المنتجات والسلع الزراعية الطازجة. البعض ذهب بعيداً بالإعتقاد ان منتجات الحيازات الكبيرة ستكسد، نظراً لتأمين المزروعات الفردية إكتفاءً ذاتياً. وهذا ما لم ولن يحصل، في حال استمرار إدارة الملف الزراعي بالشعبوية، وبالحملات الإعلانية الفارغة والتي ينقصها الكثير من المهنية.

 

الأغلبية الساحقة من السكان حاولت أن تزرع مساحات صغيرة (10 إلى 100 م²) كمحاولة لدرء الجوع الزاحف في السنة الأولى من إنهيار الإقتصاد الوطني. في الجلول والأحواض وعلى الشرفات والسطوح انتشرت شتول البقوليات والخضار وأحيانا الفواكه.. إلا ان العرض بقي متدنياً والأسعار لم تتراجع، لا بل ارتفعت أكثر. وهو ما يتطلب وقفة “نقدية” زراعية قبل الإنزلاق أكثر نحو الخطأ. خصوصاً ان السنوات القادمة ستكون أقسى، إن كان لجهة إضمحلال القدرة على استيراد المواد الغذائية ومستلزمات الإنتاج الزراعي من الخارج، أو لجهة تراجع الانتاج الداخلي نتيجة العجز عن شراء المواد الأولية الزراعية من بذور وأسمدة ومبيدات والتي غالبها مستورد في لبنان.

 

الأمن الغذائي المفقود

 

التركيز على توافر الغذاء من الزراعات الفردية لا يعني تحقيق الأمن الغذائي، “لان كلفة الانتاج في مثل هذه المحاولات الزراعية أعلى من ثمن السلع المماثلة التي تباع في الأسواق”، يقول المستشار التنموي الزارعي د. الياس الغضبان. مما دفع المستهلكين في النهاية إلى العودة والشراء من الأسواق التي كانت تعاني أساساً من نقص في العرض. وكل مستلزمات الإنتاج المستوردة تسعّر بدولار السوق السوداء. هذا بالاضافة إلى عدم تخفيض التجار من نسبة أرباحهم على الرغم من عدم إرتفاع معظم أكلاف التسويق عليهم من أجور وكهرباء ومياه وغيرها”. إرتفع معدل أسعار الخضار الطازجة بنسبة 70 في المئة والفواكه الطازجة بنسبة 170 في المئة، مقارنة بنفس الوقت العام الماضي.

 

المقاربة غير المحترفة للملف الزراعي المبنية على الشعبوية تحت ثقل الأزمة، لم ترفع كلفة الإنتاج الفردي فحسب، بل شكلت ضغطاً هائلاً على الموارد المائية. حيث “ارتفع إستهلاك المياه هذا العام في جبل لبنان والمتن وحدهما بنسبة تقارب 25 في المئة”، بحسب تقرير مصلحة المياه، “وإذا احتسبنا كلفة المياه التي دفعت، تكون أعلى بكثير من كل الانتاج المحقق”، يقول الغضبان. ولو تم بيع هذه المياه لكانت حققت مدخولاً وافراً كان باستطاعة الدولة التدخل به لدعم المزارعين، بدلاً من فشلها في توزيع المساعدات المالية”. فبحسب الغضبان هناك “أكثر من 80 في المئة من المزارعين الفعليين لم تصلهم المساعدة البسيطة التي قدمتها الدولة والتي جرى إقتطاعها من قرض البنك الدولي المخصص للنقل. كما أن دعم مستلزمات الإنتاج لم يصل إلى المزارعين هذه السنة، مع العلم ان التحضير لموسم 2021 يجب ان يبدأ من الآن. فالأمر كله يتوقف على إستمرار قرار الدولة بدعم المستلزمات الزراعية الأساسية.

 

الاستهداف المباشر للمزارعين

 

تحقيق الأمن الغذائي لن يكون إلا من خلال استهداف المزارعين الفعليين بشكل مباشر وتحصين أمنهم الإجتماعي قبل أي شيء آخر، وذلك على غرار المبادرة التي اضطلعت بها منظمة مالطا في لبنان. حيث عمدت المنظمة إلى توفير 1.2 مليون شتلة من مختلف أصناف المزروعات الشتوية، لنحو 350 مستفيداً من صغار المزارعين المنتشرين في عددٍ من مناطق توزّع مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة لـ”المنظمة” تحديداً في: الخالدية (زغرتا)، القبيّات، عرسال -القاع، برقا، دير الأحمر في البقاع الشمالي ويارون في الجنوب. حيث قامت المنظمة بشراء البذور ومن ثم تنبيتها، ومن ثم توزيعها على المزارعين بعدما أصبحت شتولاً. الهدف من وراء المبادرة لا يقتصر على دعم صغار المزارعين المتمرسين أساساً بالمهنة، الذين تنطبق عليهم شروط المساعدة لجهة عمر وظروف المزارع، حجم الارض وصلاحيتها، برأي المسؤولة الإعلامية في منظمة مالطا لبنان أميمة فرح. “إنما هناك اهداف اجتماعية تكافلية. فمن شروط المساعدة ان يتعهد المزارع بالتبرع بنسبة 5 في المئة من انتاجه إلى مراكز المنظمة الصحية كي يصار إلى توزيعها على المعوزين الذين يتطببون في المراكز”. وبهذه الدورة الانتاجية يتوسع بيكار المساعدة من مستخلصي البذور إلى المربّين والمزارعين وصولاً إلى المعوزين. وكل هذا يتم باشراف أخصائيين يساعدون المزارعين بالنصح والمشورة”.

 

إنتاج أكثر بسعر أقل

 

الشتول توزعت بين الخس، والآيس بيرغ، والملفوف، والقرنبيط وهي زراعات شتوية لا تحتاج إلى الري والعناية المركزة والرشوش. وبحسب المزارع سمير يمّين من زغرتا فان مبادرة تقديم الشتول مع المتابعة الدائمة من مهندسين واخصائيين زراعيين رفعت قدرته على الزراعة بنسبة 30 في المئة. فبدلاً من اقتصار المساحة المزروعة على 70 في المئة من مجمل مساحة أرضه بسبب ارتفاع أسعار البذور والمستلزمات الزراعية، استطاع الزراعة بنسبة 100 في المئة. هذا الفرق الذي أحدثه الدعم الصحيح مع مئات المزارعين يثني عليه د. إلياس الغضبان، الذي يعتبر أن “ارتفاع كلفة البذار التي تسعر على السوق السوداء ونقداً منع الكثيرين من المزارعين من الاستفادة من كامل حجم أرضهم”. وهو ما يعني خسارة لهم من جهة، ونقصاً في المعروض من جهة أخرى وارتفاعاً في الأسعار بجميع الحالات. من هنا فان “تأصيل البذور وتحويلها إلى شتول يحرر المزارع من عبء السعر، ويحميه من إمكانية خسارة نسبة كبيرة من البذور نتيجة عدم توفر الشروط المناسبة لنموها”، بحسب منظمة مالطا. وبالفعل أتاحت هذه المبادرة لكل مزارع من أصل مجمل العدد الذي وصل إلى 350 مستفيداً، توسيع مساحته المزروعة بحجم 30 في المئة موزعة مثالثة بين القرنبيط والخس والملفوف. الأمر الذي أمّن للمزارع قدرة بيع في محيطه الضيق بأسعار منخفضة. وبهذه الطريقة يكون قد استفاد وأفاد من حوله.

 

قد يكون تدخل منظمة مالطا مثالاً عن المبادرات الناجحة لتضمنها شرطين أساسيين، وهما: اتاحة الغذاء، ومساعدة المزارعين الفعليين عبر زيادة مدخولهم. ومثل هذه المبادرات هو المطلوب لمواجهة خطر المجاعة المعرض لها لبنان، بعيداً من كل المبادرات الإعلانية أو الدعائية التي تهدف إلى تحقيق الربح والمنافع الشخصية على حساب المزارع والمستهلك… وما أكثرهم.