IMLebanon

لهذه الأسباب ينبغي أن نخاف

يوماً بعد يوم، تنحسر مناخات التفاؤل التي واكبت عودة المؤسسات السياسية والدستورية الى الانتظام. وفي حين ساد الاعتقاد، ان الملفات الاقتصادية والحياتية ستستحوذ على الاولوية المطلقة في جدول أعمال الحكم، بدأ يتضح العكس. وهناك ألف سبب وسبب للخوف مما ينتظر البلد.

احتدمت المواجهة على جبهة قانون الانتخابات، وتراجع الاهتمام بالوضعين المالي والاقتصادي الى الخطوط الخلفية. لكن دخان المعركة السياسية الذي يحجب الرؤية، لا يعني ان خطورة ما يحصل في المقلب الآخر، قد تراجعت، بل العكس صحيح.

وهناك لائحة طويلة من الحقائق المعروفة وغير المعروفة، التي تبرّر القلق حيال الوضعين المالي والاقتصادي، لعلّ أبرزها النقاط التالية:

اولا – الوضع المالي العام للدولة. يتبين من خلال الارقام الرسمية لوزارة المالية، ان حجم الانفاق واصل الارتفاع، مقابل تراجع حجم الايرادات.

في المقابل، يتبين من جدول استحقاقات الدين العام باليوروبوند، ان السنوات الخمس المقبلة تتضمّن استحقاقات دين بالعملات الصعبة تناهزالـ19 مليار دولار ينبغي على لبنان أن يسددها او يستبدلها بديون جديدة، من ضمنها استحقاقات بقيمة 4 مليارات و300 مليون دولار في العام 2017. من دون احتساب استحقاقات سندات الخزينة بالليرة اللبنانية.

ثانيا – الانكماش الذي بدأ يتضح في العامين الماضيين من خلال تراجع حجم المبيعات والاعمال في غالبية القطاعات، ومن خلال مؤشر اسعار السلع الذي تراجع حوالي 4.57 في المئة.

ومع ان خبر انخفاض الاسعار يشكل خبرا سعيدا للمستهلك، الا ان الانخفاض الناتج عن اسباب اقتصادية سلبية، مثل اختلال ميزان العرض والطلب، مؤشر مقلق على المستوى المالي والاقتصادي العام، خصوصا اذا تواكب مع جمود في النمو الفعلي لحجم الاقتصاد. في هذه الحالة، قد يؤدي إلى دائرة مفرغة من الانهيار الانكماشي Deflationary Spiral تُدخل الاقتصاد في كساد عميق.

ثالثا – مؤشرات تراجع التحويلات المالية الى لبنان.هذه المشكلة كانت واضحة في العام 2016، وهي التي اضطرت مصرف لبنان الى اللجؤ الى الهندسات المالية لضخ اموال جديدة ضمن اغراءات مالية هي «أبغض الحلال».

لكن مفاعيل هذه الهندسات الانقاذية قصيرة المدى، والعمر الافتراضي لها قد لا يتجاوز العامين. وبالتالي، فان المشكلة ستطل مجددا، وبطريقة أشرس اذا لم يتم تأمين المناخات المناسبة لاعادة الزخم لدخول الاموال الى البلد.

رابعا – ان حجم التحويلات من القوى اللبنانية العاملة في الخارج مُرشّحة للانحسار اكثر، بسبب الأزمات المتنقلة، سواء في دول الخليج العربي، الخزان الاول لايرادات القوى العاملة وتحويلاتها، أو في الولايات المتحدة الاميركية، التي تحتل المرتبة الثانية بعد الخليج في تحويلات اللبنانيين. ومن خلال موازنات دول الخليج، ومن خلال الاجراءات التي يتم اتخاذها حاليا، ومن ضمنها البدء، وللمرة الاولى في فرض ضريبة على القيمة المضافة، (TVA) بنسبة 5%، بالاضافة الى رفع الدعم عن معظم السلع، بما فيها السلع البترولية، كل ذلك سيؤدي حتما الى تراجع التحويلات من الخليج في العام 2017.

كذلك فان مناخات القلق في الولايات المتحدة، جراء السياسة الجديدة للادارة الاميركية، بالاضافة الى استمرار سياسة رفع الفوائد على الدولار، قد تساهم أيضا في خفض التحويلات، الى لبنان.

خامسا – ان الوضع الاقليمي المتوتر حول لبنان، يضغط اكثر فأكثر على الوضع الداخلي. وبالاضافة الى الضغط الاقتصادي والمالي الذي يتسبب به النازحون السوريون، فان اسواق المنطقة التي شكلت متنفسا للقطاع المالي اللبناني عندما ضاق به السوق المحلي، تعاني بدورها من أزمات تنعكس سلباً على ايرادات المصارف اللبنانية التي توسعت في الخارج.

على سبيل المثال، كان السوق التركي سوقا واعدا بالنسبة الى المؤسسات المالية، وكان مُقدّراً أن يجذب المزيد من المصارف اللبنانية الكبيرة. لكن هذا الوضع تغيّر.

وقد فقدت العملة التركية حوالي 18 في المئة من قيمتها في العام 2016، الأمر الذي انعكس تراجعاً بالنسبة نفسها تقريبا في مداخيل المصارف اللبنانية في تركيا.

كذلك الأمر في مصر، التي جذبت بحجم سوقها المصارف اللبنانية. وقد تراجع الجنيه هذا العام بنسبة 50%، وهي نسبة مرتفعة بكل المقاييس، وأثرت بدورها على مداخيل المصارف اللبنانية هناك.

هذه النماذج تعني ان هامش التوسّع الناجع في الخارج بالنسبة الى المصارف اللبنانية صار أضيق. واذا «عطست» المصارف، سيُصاب الاقتصاد اللبناني بـ«الزكام».

لائحة النقاط المُقلقة بالنسبة الى الوضعين الاقتصادي والمالي قد تطول، وأكثر ما يُقلق فيها ان الزخم للتصدّي لها ومعالجتها أو معالجة ذيولها للتخفيف من تداعياتها، يتراجع لمصلحة الصراعات السياسية التي عادت في مناخها السلبي التدميري الى الارتفاع، وفي حرب المصالح والنفوذ، لا صوت يعلو على صوت «المعركة».