IMLebanon

لهذه الأسباب لن تنخرط تركيا بالحرب البرّية ضد «داعش»

دبلوماسي تركي في بيروت: دعم التحالف الدولي لا يعني التحرّك وفقاً للتعليمات الأميركية

 لهذه الأسباب لن تنخرط تركيا بالحرب البرّية ضد «داعش»

لا يمكن لأنقرة أن تقبل بقيام كيان كردي شمال سوريا على غرار كردستان العراق

القراءة التركية تنطلق من أن الأزمة السورية هي العامل الرئيسي وراء نشوء تنظيم «داعش»، والفراغ الذي نشأ في شمال سوريا خلق الظروف الملائمة لتمدّده والمجموعات المتطرّفة الأخرى. وبالتالي، فإن أي مقاربة للحل لا بدّ من أن تتناول جذور المشكلة. الأتراك المتهمون بالتخاذل في مساندة أكراد سوريا للدفاع عن كوباني، طالبوا بأن تكون معالجة الوضع في كوباني من ضمن المعالجة الشاملة للملف السوري. يقول دبلوماسي تركي، في بيروت، أن فهم موقف أنقرة من التطورات الراهنة يحتاج إلى الفصل بين  أزمة كوباني وقضية أكراد تركيا وتنظيم «داعش». فكوباني هي مسألة دولية وليست مسألة تركية، رغم قربها من الحدود. وثمة اختلاف بين الرؤية التركية واستراتيجية التحالف الدولي بقيادة واشنطن  التي هي استراتيجية احتوائية للتنظيم لوقف تقدمه وسيطرته على آبار النفط  والسدود ومناطق استراتيجية عبر ضربات جوية، فيما الرؤية التركية أن الضربات الجوية غير كافية، ولا بد من وجود قوة على الأرض لملء الفراغ الذي سيحصل. وهذا يتطلب تحركاً دولياً وليس عملاً فردياً، ذلك أن اجتياز الحدود ليس فقط اجتيازاً للحدود بين سوريا وتركيا، بل أيضاً اجتياز للحدود الفاصلة بين تركيا والعالم العربي، ما يجعل المسألة دقيقة ومعقدة وحسّاسة، لما قد تتركه من انعكاسات على العلاقة بين العرب والأتراك، في ظل غياب قرار أُممي يُغطي مثل هكذا خطوة.

لدى الأتراك أولويات ومصالح وهواجس. دعم التحالف الدولي لا يعني التحرّك وفق التعليمات الأميركية. فهذه مسألة حسّاسة بالنسبة للرأي العام التركي. أنقرة قدّمت رؤيتها وضمّنتها مطالبها وتنتظر الإجابات في ضوء اجتماع رؤساء أركان دول التحالف في قاعدة «أندروز» الأميركية، وما يمكن اتخاذه ميدانياً من خطوات،  ولا سيما في ما خص إقامة منطقة آمنة مع حظر للطيران على الحدود لاحتواء وحماية النازحين الذين بلغ عددهم مليوناً ونصف المليون قبل معركة كوباني، والتي أدّت إلى نزوح مائتي ألف مواطن آخرين، فيما تمّ الاتفاق على استضافة تركيا لعناصر من المعارضة المعتدلة وتدريبها وتزويدها بالسلاح والمعدات. فإزاء عدم وجود أي قرار من مجلس الأمن بدخول قوات برّية إلى سوريا، فإن الارتكاز سيكون على قوات المعارضة السورية المعتدلة، التي يتم تدريبها للقيام بالمهام البرية في عملية تنظيف الأرض وملء الفراغ.

ويكمن منطلق السلة المتكاملة لحل الأزمة السورية من الهاجس الكردي الذي يُؤرق تركيا. فهي منذ نشوء الأزمة السورية أكدت على وجوب الحفاظ على وحدة سوريا، مع إدراكها بأن ثمة وضعاً خاصاً لا بدّ من أن يطاول الأكراد، كونهم قومية غير عربية. وقدّم داوود أوغلو، يوم كان وزيراً للخارجية، النصح لرئيس الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري صالح مسلم حين التقاه في أربيل، قبل سنتين، بأن يتحرك من ضمن المعارضة السورية وليس بشكل منفصل، وأن ينفصل ويتمايز عن حزب العمال الكردستاني، المصنّف حزباً إرهابياً بالنسبة لأنقرة، وإن كانت الأخيرة قد أطلقت، منذ سنتين، عملية سلام من أجل تحقيق مطالب الأكراد الاتراك بوسائل دستورية، واندماجهم في المجتمع وتلبية مطالبهم وحقوقهم بالمحافظة على لغتهم وثقافتهم. فمصالح تركيا لا تتوافق مع القبول بقيام كيان كردي مستقل في شمال سوريا، أو دويلة أو منطقة حكم ذاتي على غرار كردستان – العراق، على الأقل  في المدى المنظور، فذلك سيكون له انعكاساته على أكراد تركيا، التي وجدت الحكومة بالأمس نفسها أمام تظاهرات اتسمت بالطابع العنفي والتخريبي احتجاجاً على عدم تقديمها المساعدة لأكراد كوباني، ورفضها عبور مسلحي البشمركة أراضيها لمساندتهم. وردّت السلطات التركية على عمليتين ضد القوات الأمنية التركية، نفذهما حزب العمال الكردستاني، بشن ضربات جوية ضد مراكز الحزب المتواجد شمال العراق. تلك المسألة تعتبرها أنقرة مسألة داخلية، ورغم تأزم الأوضاع بين السلطات التركية  والأكراد الأتراك فإن ثمة تصميماً  لدى القيادة التركية على المضي قدماً في مسار العملية السلمية، والقيام بالإصلاحات والخطوات المطلوبة التي من شأنها إنهاء تلك المشكلة المزمنة.

السؤال الذي طرحته تركيا على  قادة التحالف الدولي، ولا سيما واشنطن، يتعلق بالخطوة الثانية من استراتيجية محاربة «داعش». فـهي على تماس مباشر مع خطر «داعش» على حدودها، وقد طَرَقَ هذا التنظيم بابها يوم قتل مواطنين أتراكاً على الحدود، ويوم احتجز دبلوماسييها وعائلاتهم في الموصل. الواقع الجغرافي يفرض عليها تحدّيات أكثر من غيرها من أعضاء التحالف، شأنها شأن دول الجوار السوري كالأردن ولبنان والعراق، بطبيعة الحال الذي يعتبر الدبلوماسي التركي أن «داعش» ما كان يمكنها أن تصبح بهذه القوة لولا انضمام العديد من سنّة العراق، الذين تمّ تهميشهم وقمعهم واضطهادهم في فترة حكم نوري المالكي. ولا يمكن أن يكون دحر «داعش» ممكناً من دون استقامة العملية السياسية في العراق وإعادة تأهيل الجيش العراقي لإعادة بسط سيطرة نفوذه على كامل الأراضي العراقية، على أن يتم في سوريا تقديم  الدعم الفعلي للمعارضة السورية، التي تمّ خلال السنتين الماضيتين إضعافها، لتُشكّل البديل الممكن للنظام الحالي الذي لا يمكنه أن يكون شريكاً في سوريا الغد.

تدرك أنقرة أنه لا بد من انخراط كل من روسيا وإيران لإنهاء الأزمة في المنطقة، ذلك أن البلدين لن يكونا بمنأى عن تداعيات تنامي «داعش» والتنظيمات المتطرفة في كل من سوريا والعراق. فروسيا تدرك أن مئات من الشيشانيين يقاتلون في صفوف الدولة الإسلامية، وهؤلاء يشكلون خطراً فعلياً عليها، تماماً كما أن إيران تعلم أن عدم الاستقرار في سوريا من شأنه أن ينعكس مزيداً من السلبية على حليفها «حزب الله»، الذي وصل إلى الحد الأقصى في ما يمكن أن يقدّمه، وبات يدفع ثمناً باهظاً من قوته في حرب الاستنزاف الدائرة. وليس في مصلحة طهران  أن ترى في دمشق حكومة «داعشية» أو نظاماً يُديره متشددون، بل أن تعمل على رؤية نظام ديموقراطي تعدّدي، ما يعني تضحيتها بورقة  الأسد، الأمر الذي قد يصبح ممكناً إذا أفضت نتائج الملف النووي إلى نتائج إيجابية، وتم الاعتراف بها كقوة إقليمية في المنطقة، ما يجعلها تُفرج عن أوراق القوة التي تُمسك بها، بدءاً من اليمن مروراً بسوريا ووصولاً إلى لبنان، الذي لا تغيب العين التركية عنه، والتي تلمس مدى تأثر شريحة واسعة من الشباب السني اللبناني بالدولة الإسلامية و«جبهة النصرة» وما تحققانه من انتصارات في معركة يرون أنها في مواجهة الظلم والاضطهاد والتهميش، الأمر الذي يدفع بالدبلوماسي التركي إلى التوقف ملياً عند أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الرئيس سعد الحريري، كرمز للاعتدال، بما له من حضور في وجدان الشارع السني عموماً، والشمالي تحديداً، والذي يترك غيابه فراغاً تملأه قوى ذات توجهات إسلامية، تُشكل عامل جذب بتماهيها مع المواجهة الأكبر في المنطقة.