IMLebanon

مشروع نقابة الخَدَم الأجانب يَتعثّر من دون أن يَسقُط

طُرح في الفترة الأخيرة موضوعُ إنشاء نقابة للعاملات والعمال في الخدمة المنزلية، ما أثار جدلاً مع وزارة العمل التي رفضت الاقتراح على اعتبار أنه غير قانوني. فهل طُوِي مطلبُ تأسيس النقابة أم أنه قد يُستتبع بتحرّكات، خصوصاً أنّ أعداد العاملين في الخدمة المنزلية في لبنان الى تزايد ويُراوح ما بين 160 الى 180 الفاً. ويرتفع هذا الرقم إذا ما تمكنت الدولة من احتساب أعداد العاملين الذين انتهت إقامتهم ولم يغادروا الأراضي اللبنانية.

أكد رئيس نقابة أصحاب مكاتب استقدام الخادمات في لبنان هشام البرجي أنْ لا أحدَ ينكر أنّ هناك «انتهاكاتٍ من الطرفين أيْ ربة العمل والعاملة»، لكن غالباً ما يكون الحديث عن الطرف الاضعف وهو العامل في الخدمة المنزلية.

وشرح لـ«الجمهورية» أنّ السبب الرئيس للخلافات غالباً ما يكون «الخلفية الثقافية للعائلات التي تستخدم العاملات»، ويقوم أفرادها بانتهاكاتٍ في حق العاملة كثيراً ما تُتصف بالعداونية.

انطلاقاً من ذلك نطالب الدولة بـ»التدخل وإنشاء ما يُسمّى اللائحة السوداء بأصحاب العمل الذي يُمعنون في انتهاك حقوق الخادمة». على سبيل المثال، لا يجوز السماح لربّ العمل الذي في حقّه شكاوى ضرب واعتداء على الخادمة باستقدامِ خدمٍ مجدداً، كذلك لا يحقّ لرب عمل انتحرت لديه 3 خادمات أن يستخدم خادمة مجدداً.

تابع: «صحيحٌ أنّ قانون العمل لا يشمل العاملين في الخدمة المنزلية، لكن يمكن للأمن العام أن يُصدر مذكرة بما يسمى اللائحة السوداء، بحيث مَن تُرفع في حقه شكاوى متعددة يُحرَم من حق استقدام عاملة للخدمة المنزلية».

هذا من جهة، لكن من جهة اخرى يضيف أنّ «هناك انتهاكاً معنوياً للعائلة المستقدِمة، التي تدفع مبلغاً كبيراً من المال لاستقدام خادمة، لكن ما تلبث هذه العاملة أن تترك المنزل لتعمل على حسابها الخاص، والمؤسف أنّ القانون اللبناني لا يعطي حقوقاً في هذا الوضع لرب العمل.

والأخطر أنّ هذه العاملة التي تترك ربة المنزل تعود لتظهر بعد سنتين عبر شكوى تقدِّمها الى الامن العام تتّهم فيها مستقدميها بالاعتداء عليها والضرب». وكشف البرجي عن «مافيات معروفة من غير اللبنانيين (سوريين مصريين وعراقيين) تهرّب عمال المنازل ليعملوا في الدعارة والفنادق»….

وأشار الى أننا لاحظنا أخيراً أنّ «العاملة وفور دخولها الى لبنان تكون في انتظارها عصابة لتشغيلها، ووحدها المكاتب تدفع الثمن وتتكبّد الخسارة».

البرجي أضاف: من الملاحظ أنّ «هناك تشويشاً مرعباً لصورة لبنان من حيث استقدام الخدم، يصوّروننا كأننا وحوشٌّ» مؤكداً أنّ «الانتهاكات تحصل من الطرفين».

وعن جنسيات العاملات اللواتي يُحظّر دخولهن الى لبنان، قال: «من الاسهل تسمية مَن يُسمح لهنّ بالدخول مثل غينيا والكاميرون وتوغو وساحل العاج أيْ من دول افريقيا».

ودعا البرجي الى إقرار قانون العمل الخاص بعاملات المنازل والمعروف بقانون بطرس حرب لأنه يحلّ مشكلات عدّة، ولا سيما منها «ردع الذين يأوون عمالاً غير شرعيين، ومحاسبة ربة المنزل في حال تخلّفت عن دفع راتب الخادمة». وهذا القانون يحدّد شروط السكن داخل المنزل وعطلتها السنوية وأيام الراحة. كما يلحظ إنشاءَ ما يُسمّى بدائرة التفتيش والتي من شأنها الذهاب الى المنازل للتفتيش والتحقّق.

نقابة عمال المنازل

وعمّا طُرح اخيراً عن إنشاء نقابة للخدم العاملين في المنازل، أوضح البرجي أنّ «لبنان وافق على الاتفاقية 189 الصادرة عن منظمة العمل الدولية وفيها بندٌ يقول بإلزامية إنشاء نقابة للعمال بالخدمة المنزلية، لكنّ هذه الاتفاقية تنصّ ايضاً على أنّ هذه الموافقة لا تعني إلزام الدولة إلّا بعد تمريرها في مجالس تشريعية وهذا الامر لم يحصل بعد في لبنان».

ولفت الى أنه حتى تاريخ اليوم هناك «5 دول فقط من أصل 230 بدأت العمل بهذه الاتفاقية، حتى دول الاتحاد الاوروبي واميركا الشمالية لم توافق على ذلك».

ويوضح البرجي أنّ «القانون اللبناني يمنع على الأجنبي أن ينشئ نقابة»، كاشفاً أنّ معظم ما يُسمّى «المنتسبين» الى النقابة، 90 الى 95 في المئة لا يعملون في الخدمة المنزلية، بل هم إما هربوا من المنازل، وإما لديهم ما يسمّى بالكفيل الوهمي ويعملون في المطاعم أو الفنادق أو المصانع وحتى يوجد بينهم مساعدو أطباء، ويمكن القول إنهم يشكلون منافسة للعمال اللبنانيين.

مرقص

من الناحية القانونية، يؤكد رئيس منظمة JUSTICIA الحقوقية المحامي بول مرقص لـ»الجمهورية» أنه لا يحقّ للأجانب أن يقوموا بممارساتٍ نقابية مكتملة بالمعنى الذي يمكن أن يقوم به اللبنانيون، أيْ لا يمكنهم الترشّح الى انتخابات النقابة أو الانتخاب.

وتالياً فإنّ تجاوز هذه العقبات القانونية يكون من لبنانيين يمثلون أجانب وفي ذلك تجارب مماثلة حصلت في لبنان في مسألة الجمعيات التي تنشأ بين أفراد فلسطينيين ويديرها فعلياً لبنانيون تفادياً للإجراءات المعقّدة التي تصعّب على الأجانب ممارسة الحقوق النقابية كاملة. تابع مرقص: قانوناً، المادة 86 من قانون العمل تعتبر أنّ إنشاء النقابة لا يتمّ الّا بترخيص من وزير العمل.

والمادة 87 التي تليها تفرض أن يُقدّم طلب الترخيص الى وزارة العمل، مصلحة النقابات، فتستطلع الوزارة رأيَ وزارة الداخلية في شأن الطلب وتتخِّذ قرارها بالرفض أو القبول. ولا تُعتبر النقابة قائمة إلّا بعد نشر القرار في الجريدة الرسمية.

وأوضح مرقص أنّ هناك فرْقاً بين تأسيس جمعية وتأسيس نقابة. فالجمعية إذا كانت لبنانية مؤلَّفة من أشخاص لبنانيين تُعتبر قائمة بمجرَّد إعطاء المؤسسين العلم والخبر الى وزارة الداخلية. بينما إنشاء نقابة في حاجة الى ترخيص من وزارة العمل. و»المادة 91 من قانون العمل اللبناني تحدِّد الشروط الواجب توافرها في المنتسب الى النقابة وهي اربعة:

أن يكون من الجنسية اللبنانية متمتعاً بحقوقه المدنية.

أن يمارس المهنة وقت الطلب.

أن يكون قد اتمّ الثامنة عشرة من العمر.

ألاّ يكون محكوماً عليه لجناية او لجريمة شائنة».

أما «المادة 92 من القانون عينه فتنصّ على انه يجوز للاجانب أن ينتسبوا الى النقابة إذا كان مصرّحاً لهم بالعمل في لبنان، وقد أتمّوا الشروط المنصوص عليها في المادة 91، إلّا أنه لا يحقّ لهم كأعضاء أجانب أن ينتخبوا او يُنتخبوا وإنما يحق لهم أن ينتدبوا أحداً كي يمثلهم ويدافع عنهم لدى مجلس النقابة».

ولفت مرقص الى أنّ الخدم العاملين في بيوت الافراد يُستثنون من أحكام هذا القانون استناداً الى المادة 7 من قانون العمل. ولفت الى أنّ الاعتبارات التي من أجلها قد يرفض الوزير الطلب في هذه الحال يمكن أن تُعتبر مخالفة لالتزامات لبنان الدولية المتعلقة بالحق بالعمل وإنشاء النقابات.

لكن في هذا الاطار، هل يمكن القول إنّ لبنان يلتزم المواثيق العالمية لحقوق الانسان ويلتزم بها؟ إنّ «المادة 8 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية تنصّ على حقوق فضلى للاجانب بإنشاء نقابات والانضمام اليها وتوليهم حقوقاً أكثر من تلك المنصوص عليها في قانون العمل اللبناني. ولبنان أبرم هذا العهد الدولي الذي لا يضعُ قيوداً متشدِّدة على الحقوق النقابية للأجانب إنما يعطيهم حقوقاً أفضل. ويجب بالتالي تطبيقه وإعطاء حقوق أفضل للعمّال الأجانب في لبنان».

لكنّ التشريع اللبناني بقي من دون تعديل بحيث لم تتم مواءمة التشريع الداخلي اللبناني لهذا العهد، هنا يتابع مرقص «على الصعيد الاداري والتشريعي، كان يُفترض تعديل قانون العمل بما يسمح بإيلائهم المزيد من الحقوق.

وبما أنّ هذا الامر لم يحصل، وفي حال لم يُطرح نزاعٌ في هذا الملف أمام القضاء، فإنّ المادة 2 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتي تنصّ على أنّ العهد، أيْ المواثيق العالمية، تتقدّم على القانون الداخلي، لا يمكن تطبيقها لأننا في حاجة الى قضاء يحكم في ذلك وإلى نزاع يحتكم به الى القضاء، الامر الذي من المستبعد أن يتم».

أضاف: «أما اذا كانوا لبنانيين يمثلون الاجانب ضمنياً فيمكن إمرار هذا الترخيص في حال لم تكتشف وزارة العمل هذا الغطاء الذي يقوم به لبنانيون».

ولفت مرقص الى أنه في لبنان تُتخذ في بعض الاحيان إجراءات في حقّ خدم المنازل وتخالف المواثيق والعهود الدولية التي أبرمها لبنان وتخالف الدستور اللبناني الذي ينصّ على حرية التنقل وحجز جواز السفر للعمال والعاملات الاجانب وهو أمر مخالف للقانون، وقد «صدر قرارٌ قضائي عن قاضي الامور المستعجلة في بيروت حديثاً، قضى بإلزام صاحبة العمل بإعادة جواز السفر الى العاملة لديها على اعتبار أنّ الدستور اللبناني يكفل حرية التنقل وحرية مغادرة البلد».

لكن في المقابل، لفت مرقص الى أنه «غالباً ما يتكبّد صاحب العمل مصاريف ورسوماً وأتعاباً ملحوظة لاستقدام عامل أو عاملة اجنبية»، متسائلاً: «فمَن يحمي صاحب العمل إذا رفض العامل العمل لديه بعد دخوله الاراضي اللبنانية؟» إنّ صاحب العمل يخسر ما تكبده من رسوم واتعاب دون أيّ حقوق وضمانات.

ورأى مرقص أنّ «كفالة حقوق التنقل للعمال الاجانب وعدم حجز جواز سفرهم يجب أن يترافق مع إجراءاتٍ تضمن حقوق أصحاب العمل لئلّا تصيبهم أضرارٌ نتيجة استقدام العمال وخسارة ما تكبدوه بحجة الدفاع عن الحقوق بشكلٍ مجرد»، لا و»بل يجب الدفاع عن حقوق الانسان بشكلٍ متكافئٍ أو عادل» على حدّ تعبيره.