IMLebanon

حذر شديد من المطاعن الميثاقية

 

الرئيس فؤاد السنيورة، المُنسّق الأساسي في إطار تجمع رؤساء الوزراء السابقين وتحقيق أهدافه الرّامية إلى لملمة صفوف البيئة السنية والدفاع عن حقوقها الميثاقية وتمركزها الثابت في الدفاع عن الركائز الأساسية لإتفاق الطائف الذي أنقذ البلاد من الفوضى والأخطار الداهمة، في جملة الأحداث ومشاريع الحروب الأهلية التي تمثلت في عددٍ من الملامح والمعالم والتصرفات المبيّتة لدى بعض الجهات والفئات. الرئيس السنيورة، الناشط الدائم في إطار هذا التجمع، كأنيّ به في هذه الأيام العجاف، قد انكفأ، ولو نسبيّا عن الإستمرار في هذا الدور بعدما لمس كلّ هذه المستجدات في أوضاع التجمع، التي أبدت تطورات تأليف الحكومات الثلاث الأخيرة، منذ بدايات تأليفها وعلى مدى سنة وثلاثة أشهر، أنها في «حرب ضروس» ما بين الرئيس المكلّف السابق سعد الحريري وسيّد «العهد القوي» الذي يبدو أنه قد حصر «قوته» في وجهتين متناقضتين: دعم مطلق وتبادل مصالح ومواقف مع «الحزب الحاكم»، وتأمين المؤازرة للسعي الدائم إلى الإطباق على كلّ ما تبقّى من مصادر ومواقع السلطة في هذا البلد المنكوب الذي أُكلت غالبية المواقع السلطوية على امتداداتها كافة، وهناك سعيٌ مستمر للإطباق على ما تبقى منها بمؤازرة متناهية من «العهد القوي» ومن أركانه الداعمة والمتناغمة مع طموحات تجاوزت ما تبقى له من أشهر معدودة في حكمٍ لم يعد له من فرص للحركة المنتجة إلاّ ما يصرّ عليه من تحقيق استمرارية ما من خلال توريث السلطة إلى جهة متناهضة ومشاكسة مع كلّ الفئات والجهات باستثناء ما أسفر عنه ذلك اللقاء الذي سبق ترتيبه وتكريس مقرراته في كنيسة مار مخايل.

 

وعليه… لم يعد ينفع الندم من أيٍّ كان، على التنازلات الميثاقية والوطنية الهامّة التي أسفرت بالنتيجة القاسية عن المعاناة الحادة التي يكابد معظم اللبنانيين منها ومن نتائجها ومن أوضاعها التي غرست أظافرها الداخلية والخارجية في جسد الوطن وأوضاعه الميثاقية الأساسية المرافقة له منذ نشأته الأساسية وتطورات وجوده وحياته. مع كلّ المآخذ التي يمكن أن تواكب عملية التسليم والإستسلام التي واكبت تلك المرحلة الآفلة من أوضاع لبنان المعروفة والمكشوفة بكل سيئاتها ونتائجها المأساوية، لا بد لنا من أن نشيد بوقفة الوعي والتحسّب التي رافقت مرحلة تكليف الرئيس سعد الحريري منذ بداياتها وصولا إلى مرحلة الإعتذار عن متابعة المهمة بعد مرور حوالي التسعة أشهر على محاولات التأليف التي فُرضَ عليها الفشل والتنحي، حتى إذا ما قارناها بما استجد من تكليف للرئيس الحالي نجيب ميقاتي، وما واكبها من ضغوطات وإصرار على الشكل والأساس الذي تم تشكيل الحكومة العتيدة على أساسه، كان لا بد لنا إلاّ وأن نشير إلى الفرق الشاسع بين وضعيتي التكليف والتأليف. فمع تفهمنا للضغوطات الداخلية والخارجية التي أدّت إلى تأليف الحكومة الحالية بشكلها وأساسها وتفاصيل تركيبتها التي تجاوزت الكلام المستور إلى وقائع نَشرت وسائل الإعلام بعض تفاصيلها، ومع تفهمنا «للمرونة» التي رافقت الرئيس ميقاتي في عملّية التأليف، وللتجاوب مع آلام الناس وأوجاعهم ومشاكل البلد الناتجة عن عمليّة الهبوط المستمر إلى قعر جهنم، إلاّ أننا لم نفهم بعض المطالب والتصرّفات والموافقات الغريبة العجيبة التي واكبت عملية التأليف والمتمثلة بشكل خاص، في ما سبق أن أطلقته وسائل الإعلام بلسان فصيح وصريح لمعالي وزير الداخلية المحسوب هو ووزارته على الرئيس ميقاتي وعلى نصيبٍ أساسي من أنصبة الطائفة السنية في ما تبقى من حكم هذا البلد المتدهور منذ سنوات وما زال مستمرا في الهبوط إلى القعر الجهنمي. معالي وزير الداخلية صرّح بالفم الملآن، أنه قد طُلب إليه من قبل فخامة الرئيس، مقابلة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والتعرّف عليه ومدّه بالمعلومات التي تطرح عليه أسئلتها واستقصاءاتها، وكان ذلك امتحانا وجاهيا مباشرا قبيل الموافقة على تأليف الوزارة وعلى وزرائها، وأن معاليه قبل أن يصبح وزيرا، قد أخذ موافقة رئيس الحكومة على ما طلب إليه القيام به بهذا الخصوص الفاحص، والغريب أن هذا التصرف يبدو أنّه قد شمل الوزراء السنة فقط، وأن بقية الوزراء المنتمين إلى بقية الجهات الميثاقية، لم يتعرّضوا إلى مثل هذا التصرف وهذا التعرّض المسيء.

 

وبعد: نبدي هذه الملاحظات الحادة مع يقيننا بأن إيجابيات تأليف الحكومة تبقى بمجرد تأليفها أكثر من سيئاتها، بالرغم من أن هذه السيئات تطاول البيئة السنية بشكل خاص وتتعرض إلى سلامة الأوضاع الميثاقية وإلى أسس العيش المشترك التي رسّخها وطوّرها نظام الطائف وجهود الركائز المحلّية والإقليمية والدولية التي أملته وكرّسته بمبادئه العامة، دستورا لهذا البلد الذي لطالما ترددت أمواج الحياة والحكم والنظام العام فيه، مُلاطمةً صخوره الطائفية والمذهبية، ومع ذلك، يستمر التصميم الوطني على صلابةٍ ملحوظة في مجابهة كل محاولات قلب النظام إلى وضعية طائفية ومذهبية لا تتفق إطلاقا مع طبيعة نشأته واستمراريته، الأمر الذي لا يتآلف على الإطلاق مع الوضعية التي كرّسها التلاقي الوطني على مباديء العيش المشترك والمتوازن، واستمرارية الوجود اللبناني وتحقيق إنقاذه وخلاصه، من براثن المستجدات السلبية الهائلة التي باتت تطاوله.