عبثاً تأتي محاولة البحث عن جديد متعلق بتشكيل الحكومة الجديدة. كل الاطراف مأزومة، بعضها من التزم الصمت وآخرون آثروا تظهير مواقف تعيد تشكيل اصطفافهم السياسي. إنكفأت حركة الاتصالات والمشاروات المتصلة بتشكيل الحكومة بينما كان كل طرف يحاول تبرئة نفسه من إفشال المبادرة الفرنسية، التي وضعت الفرنسيين قبل غيرهم في مأزق لمحاصرتها ضمن مهل زمنية يستحيل الإلتزام بها.
“حزب الله” أقفل خطوطه امام كل الاطراف بعد ابلاغهم صراحة تمسكه بموقفه وليس لديه اي جديد ليبلغه والا فلا يحاولنّ أي طرف إجباره على إتخاذ موقف لا يريده او ان يتخلى عن دوره. أيا كانت الظروف قالها “حزب الله” من البداية انه ماض خلف رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي انصرف الى اعداد جدول اعمال اجتماع هيئة مكتب المجلس وتابع موضوع سجن رومية و”كورونا” وقانون العفو ولم يدل بدلوٍ جديد حيال تشكيل الحكومة، فيما كان لافتاً السجال الذي نشب بين النائبين علي حسن خليل وزياد اسود ما يؤكد ان الاجواء بين “حركة امل” و”التيار الوطني الحر” تأزمت مجدداً على خلفية تهم الفساد. لم تعد حكاية حقيبة وزارية بل مسألة إثبات وجود ودور حتى ولو كان ثمن ذلك تحميل الثنائي تبعات تعطيل البلد وأزماته المتفاقمة. والمهم التركيز عليه هنا ان الموضوع لم يعد مقتصراً على ثنائي حزبي بل تعداه الى طائفة اصطفت بأغلبيتها خلف الحزبين لشعورها بالاستهداف. ولا مبالغة في القول ان كلام البطريرك الراعي ضاعف هذا الشعور أمس الاول.
وليس وضع الرئيس المكلف أفضل حالاً وهو يظهر في حيرة من أمره بين تقديم تشكيلة يرفضها الثنائي الشيعي وتصلّب يصر عليه رؤساء الحكومات السابقون. يسجل له اصراره هو ايضاً على عدم الإستفزاز او التصادم مع الآخرين على رغم الضغوطات التي تمارس عليه. ذهبت الازمة بعيداً، كنا امام حكومة فصرنا امام أزمة نظام وأزمة دستور او الحاجة الملحة الى مؤتمر تأسيسي جديد كانت حددت فرنسا موعد انعقاده في تشرين وصار على ما تشير الوقائع على قاب قوسين أو أدنى.
المكالمة الهاتفية اليومية بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ونظيره اللبناني ميشال عون لم تفض الى نتيجة. ابلغه عون رسمياً سيره في اي تشكيلة تعرض عليه. لكن هذه التشكيلة لم تصل بعد. فالرئيس المكلف غير مستعد للتصادم مع المكون الشيعي ورؤساء الحكومات السابقون غير قادرين على دفعه باتجاه هذه المواجهة. “حزب الله” من ناحيته ترك لرئيس الجمهورية حرية توقيع اي تشكيلة حكومية يتسلمها. موقف الرئيس على محك تحالفه مع “حزب الله”. ترك الخيار للرئيس امتحان صعب للتحالف.
في اطلالته الاعلامية قال عون صراحة اذا لم تشكل الحكومة “رايحين على جهنم”. اطلق عون نيرانه باتجاه الجميع وتماهى مسيحياً مع كلام البطريرك الراعي بمسألة التوزيع الطائفي للوزارات التي لم يرد ذكرها في الدستور، داعياً للعودة الى الدستور الكفيل بتقديم “الحل الذي ليس فيه لا غالب ولا مغلوب”. لم يقدم عون حلاً وطنياً ولا مبادرة لكنه أظهر عورات النظام وبيّن ان لبنان مكشوف سواء بصراعه السياسي الداخلي او صراع القوى الخارجية في المنطقة، وقد أصبح جزءاً من هذا الصراع. أعلنها رئيس الجمهورية ان الازمة أصبحت تحتاج الى حوار حول الدستور، لكن الخوف من ان الانتقال الى مؤتمر تأسيسي او اعادة النظر في الدستور، عادة ما يحصل على صفيح ساخن أو يلي أزمات وملمات كبرى او توترات امنية.
ولو أن هناك من يقول اليوم ان الجميع يريد الذهاب الى مؤتمر تأسيسي جديد لكن لا يملك اي طرف جرأة المجاهرة بذلك. الثابت أنّ الطائفة السنّية تتمترس خلف اتفاق الطائف، بينما يرى الشيعي ان الوقت حان لترجمة وجوده وترسيخه داخل السلطة التنفيذية من خلال المثالثة، والمسيحي صار اقرب للايمان بأن لبنان بصيغته الحالية لا يستمر وبالتالي لا بد من الكونفدرالية.
تعددت التفسيرات لكلام عون، احدها كان يرى في خلفيات ما قاله محاولة لانقاذ رئيس مجلس النواب الذي اخذ الجميع خلف اصراره على المالية. انه الفاول الثاني بعد دفع حكومة حسان دياب الى الاستقالة من دون بديل. حمّل عون المسؤولية للأطراف فإما الذهاب نحو تسويات وإما سنكون امام ازمة نظام.
وكأنه عاد الى الواقع المسيحي فنقلنا الى واقع تحالف جديد مسيحي سني ودرزي مقابل الشيعي. هذا الاصطفاف قد يؤدي في حال تفاقمه الى أزمة في الشارع، عندما يجد “حزب الله” نفسه مضطراً لعدم السماح بإقفال طريق الجنوب او البقاع مثلاً. لا بصيص امل محلياً في حكومة تبصر النور قريباً، الامر بحاجة الى اعجوبة، كما قال عون، أو ان الجانب الفرنسي المبادر لن يألو جهداً لانجاح مبادرته حتى ولو استوجب الامر دعوة اطراف طاولة قصر الصنوبر المستديرة الى فرنسا لحل الازمة. صيغة جرى تداولها بالامس وخيار لا يراه البعض مستبعداً.