IMLebanon

فرنجية يفرض شروطه: شريك فعلي… أو بلاها!

 

لم تنتظر وزيرة العدل ماري كلود نجم التئام جلسة مجلس الوزراء المخصصة لبتّ التعيينات في المواقع المالية الملحّة، لتشكو عبر حسابها عبر موقع “تويتر” من أنّ “مكافحة المحاصصة أصعب من مكافحة الكورونا”!

 

سرعان ما لاقتها بالأمس وزيرة شؤون المهجرين غادة شريم لتذكّر اللبنانيين أنّ من سيشغلون المواقع الشاغرة، سيضعون أيديهم على رواتب – ثروات، في وقت تحاول الحكومة فيه امتهان مهنة “الشحادة” لسدّ حاجاتها الاستشفائية والغذائية الأساسية.

 

كذلك فعلت نائب رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع زينة عكر التي أشارت إلى أنه “‏رغم التطور الذي تمّ تحقيقه عبر تقديم ثلاث سير ذاتية لكل موقع وعرضها مسبقاً على مجلس الوزراء، ورغم الأسماء الجيدة، أفضل اعتماد آلية أخرى في التعيينات المالية بحيث تفوز أو يفوز بالموقع الأكثر كفاءة والذين يتمتعون بالمعرفة والجرأة والأخلاق”. وفي المنحى ذاته علّقت وزيرة العمل لميا يمين دويهي.

 

لم تحدد وزيرة العدل هوية الجهة المصابة بوباء المحاصصة، لكنّ وقائع الأيام الأخيرة كانت كفيلة بتوجيه “التهمة” إلى كامل الطبقة السياسية تقريباً. رئيس مجلس النواب نبيه بري كان أول من شمّر ساعديه لحجز الكوتا الشيعية ولو أنّه يعرف تمام المعرفة أنّ وزير المال غازي وزني صاحب الصلاحية القانونية في تزكية المرشحين، لن يخرج عن طوعه السياسي في هذا الملف بالذات، وأنّ رئيس الحكومة حسان دياب لن يدفع باتجاه تعيينات قد تثير غضب الثنائي الشيعي. الفريقان جهزا أسماءهما ونقطة على السطر.

 

ومع ذلك، خاض رئيس مجلس النواب معركة “حياة أو موت” الحكومة، ليس من باب حماية الكوتا الشيعية، وإنما لفرض “المردة” شريكاً مضارباً للحصة البرتقالية، وللحؤول دون اخراج “النفَس” الحريري نهائياً من الكادر النقدي الرسمي، بعدما نمي إلى “أولياء القرار” أنّ المنظومة البرتقالية تمددت نحو الجناح السنيّ، فيما بلغت تهديدات رئيس الحكومة السابق سعد الحريري حدّ التلويح بتقديم نوابه استقالات جماعية من مجلس النواب، ما قد يفتح الباب أمام استقالات من جهات أخرى بشكل يهدد كامل الاستقرار البرلماني.

 

رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل تسلّح بالصمت. لكن ملائكته، لا بل “شياطينه” حاضرة. خاض معركة مكتومة بوجه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، الذي اشترط أن يكون له مقعدان في “الجنة المصرفية” حتى لو كلفه الأمر “نسف” الحكومة، وذلك لسببين:

 

أولاً، قطع الطريق على تهميشه وامكانية تكريس قاعدة منحه فتات المقاعد من التعيينات، بعدما تبين أنّ الهم “الكوروني” لن يمنع الحكومة من إيلاء الاهتمام لبقية الملفات ومنها التعيينات.

 

ثانياً، اصراره على موقع مفوض الحكومة لتيقنه من أهمية هذا الموقع المعطل منذ سنوات، في دائرة “القرار النقدي”، وتحديداً في مجال مراقبة كل ما يصدر عن حاكمية مصرف لبنان.

 

وبذلك، يتبيّن أنّ فرنجية قرر الدخول إلى “مغارة” مصرف لبنان من نافذة الرقابة المشددة المناطة بدور مفوض الحكومة. إذ إنّ المرسوم رقم 16400 المتعلق بتنظيم مفوضية الحكومة لدى المصرف المركزي، يعطي على سبيل المثال لا الحصر مفوض الحكومة صلاحية “التثبت من أنّ مصرف لبنان يحتفظ في موجوداته بكمية من الذهب والعملات الأجنبية، لا تقل نسبتها عن النسبة التي تفرضها المادة 69 من القانون”. كما يبدي مطالعته في “التدابير التي يقترحها المصرف المركزي على الحكومة، والتي يرى أنّ من شأنها التأثير على ميزان المدفوعات وحركة الأسعار والأوضاع المالية والاقتصادية”.

 

كان يدرك دياب أنّ نهم شركائه الحكوميين سيصعّب عليه مهمة ملء الفراغات في القطاع المالي. لذا حاول اقناع كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ الحيثيات التي قامت على أساسها حكومته، أي انتفاضة 17 تشرين الأول تحتّم الخروج من عقلية المحاصصة والارتقاء إلى معيار الكفاءة. ومع أنّه تحصّن بوعديهما أنّ تكون الكفاءة وحدها الحكم في اختيار الأسماء، إلا أنّ حكومته وقعت في المحظور.

 

خلال الساعات الأخيرة حاول دياب تدوير الزوايا للخروج من معمودية التعيينات بأقل أضرار ممكنة، بقيت الاتصالات شغّالة طوال ليل أمس بحثاً عن صيغة تفاهمية، تحول دون انفجار لغم التعيينات في مجلس الوزراء في ضوء اعتراضات بعض الوزراء على المحاصصة البراشوتية، التي يراد اسقاطها على الحكومة لدرجة أنّ بعضم هدد باللجوء إلى التصويت… فيما أصرّ فرنجية على تعليق مشاركة وزيريه، ميشال نجار والدويهي في الجلسة تعبيراً عن اعتراضه.

 

فشل دياب في تمرير التعيينات بسلاسة فقرر استثمار لحظة تخبط “شركائه” بعضهم ببعض، ليخبط يده على الطاولة قبل قلبها بوجه الجميع. ربّ قائل إنّ دياب فعلها من باب كسب العطف الجماهيري، لكن المطلعين على موقفه يؤكدون أنّه لو قرر اختراق حلبة التعيينات من باب المواجهة الفورية، لكان تعرض لمواجهة قاسية من أقرب المقربين، ولذا ترك الجميع يغرقون في مستنقع التحاصص والتجاذب، قبل أن يضع يده على الملف ويعيده إلى نقطة الصفر، من باب فرض آلية شفافة تحفظ مكاناً لأصحاب الكفاءة والعمل على تخفيض رواتب كبار الموظفين.

 

هو أصلاً، دفع ثمن الخط السريع الذي فرضه بري لضرب مشروع “الكابيتال كونترول”، مع أنّ الأخير كان من أوائل المتحمسين لتقديمه بصيغة قانون لا تعاميم، ما أسقط عن الحكومة “ورقة تين” استقلاليتها، كما رسبت الحكومة في امتحان حياديتها حين سارعت فوراً إلى الرضوخ لصرخة بري في إعادة المغتربين، بعدما كانت الحكومة ترفض فتح “مدارج الكورونا” من جديد.

 

لذا كان لا بدّ من مخرج يعيد لمّ الشمل الحكومي ويحفظ ماء وجهها لعلها تخفف من وطأة التبعية السياسية، التي أثبتت بالوجه الشرعي خلال الأيام الماضية. هكذا، استأذن رئيس الحكومة وزير المال لسحب ملف التعيينات، فيما عاد “المردة” إلى بيت الطاعة الحكومي، وشارك وزير الأشغال في اجتماع لجنة الطوارئ الذي عقد بعد ظهر أمس.أما ملف التعيينات فطُوي من جديد بحجة البحث عن آلية تضمن احترام معيار الكفاءة وتغلّبه على قاعدة الانتماء السياسي.