IMLebanon

لبنان بين فرنسا وأميركا: لغة المبادئ واستراتيجيّة المصالح

 

يشغل لبنان (الكيان والدولة) حيزاً مهماً من السياسة الفرنسية والأميركية في منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الحالية، ويعود هذا الأمر إلى تأثر بلد الأرز المباشر بانعكاسات الأوضاع الفلسطينية عليه كونه على الحدود المتاخمة لاسرائيل. وكان من الطبيعي أن تكون لأحداث طوفان الاقصى ردود مباشرة عليه، وأن يجد «حزب الله» في لبنان، من مهامه الوجودية والعقائدية المشاركة في القتال إلى جانب الفلسطينيين تجسيداً لمبدأ وحدة الساحات في الصراع ضد اسرائيل وحلفائها من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. هذا الواقع طرح على اللبنانيين وعلى المعنيين في لبنان سؤالين جوهريين:

الأول: أين ومتى تتكلم فرنسا واميركا عن لبنان بلغه المبادئ؟

الثاني: أين ومتى تتكلم وتمارس فرنسا وأميركا استراتيجية المصالح في مقاربتهما للقضية اللبنانية؟

1 – من الصعب استعراض العلاقات التاريخية بين كل من فرنسا والولايات المتحدة ولبنان إن في بعدها المبدئي أم في بعدها المصلحي وسنكتفي بإيراد أمثلة معبّرة عن هاتين النزعتين في علاقات كل من البلدين بوطن الأرز. لقد ظل لبنان بين عام 1976 (تاريخ دخول القوات السورية إلى لبنان) والعام 2000 (تاريخ خروج القوات الإسرائيلية) خاضعاً لوضعية تعرف بالكوندومينيوم الثنائي الذي فرضه هنري كيسنجر على وطن الأرز في ما عرف بنظام الخطوط الحمر عام 1976 بين سوريا واسرائيل وخلاصته الاهتمام بأمن إسرائيل وأمن سوريا على حساب أمن لبنان، ذلك أنّ لبنان بلد يمكن الاستغناء عنه واعتباره مقراً للاجئين الفلسطينيين.

2 – إنّ اول خروج نظري على خطة كيسنجر كان على يد المبعوث الأميركي إلى لبنان فيليب حبيب اللبناني الأصل. وذلك بعد أزمة الصواريخ السورية في البقاع 1981، وقد حدد نظرته إلى الوضعية اللبنانية بالقول: «إنّها السياسة الأميركية تجاه لبنان المبنية على المبادئ الأساسية لاستقلال وسلامة أراضي البلاد – وما تريده أميركا دائماً هو لبنان محرر من كل احتلال أجنبي، فأنا لا أدافع عن أطروحة إلّا هذه الاطروحة» وبالتالي شملت خطته الأمور التالية:

– جعل لبنان خالياً من جميع القوات الأجنبية.

– الاعتراف بحدوده الدولية.

– إجراء مصالحة بين الطوائف لتقوية نفوذ السلطة المركزية اللبنانية.

– دعم دولي واضح وإنما نزيه لا يخلق شكلاً من أشكال التدخل في شؤونه الداخلية.

وهو ما جرى تنفيذه بنزع سلاح منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. والطلب إلى منظمة التحرير واسرائيل وسوريا الخروج من لبنان. ومع ذلك ظلت الإدارة الأميركية بشكل عام وبفرعيها الجمهوري والديمقراطي، أقرب إلى استراتيجية كيسنجر إزاء لبنان لاعتبارات استراتيجية مرتبطة بمصالح اسرائيل علماً بأن كيسنجر هو يهودي الأصل هاجر مع أهله من ألمانيا النازية إلى أميركا قبل الحرب.

3 – هذا التوجه لا يحجب حقيقة نطق بها المسؤولون الأميركيون في الأوقات الصعبة. لم يعد لبنان بلداً لا معنى لاستقلاله كما كان يقول وزير الدفاع الأميركي كاسبار واينبرغر إنما هو «معقل الديمقراطية في الشرق الأوسط» كما وصفته كونداليزا رايس. وهو في نظر الرئيس الأميركي بوش «الأمة اللبنانية العظيمة». وقال: «إنّ الشعب الاميركي يقف إلى جانبكم والحرية ستسود في لبنان». وكما قال أيضاً داينس روس: إنّ مستقبل الشرق الأوسط يتحدّد في شوارع بيروت أكثر منه في شوارع بغداد.

4 – في العام 1988، قال الرئيس الفرنسي جاك شيراك: «انني متعلق بلبنان تعلقاً عميقاً مثل الشعب الفرنسي. هذا البلد الصديق الذي يربطنا به التاريخ ومشاعر القلب». في هذا الكلام المختصر والمعبّر تتحدد نوعية وطبيعة العلاقة بين فرنسا ولبنان والشعب الفرنسي والشعب اللبناني. وليس غريباً أن تأتي نتيجة استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة sofres الفرنسية أثناء الانتخابات الرئاسية 1988 أن يأتي لبنان في طليعة البلدان التي يشعر الفرنسيون حيالها بالتعاطف والتضامن بأكثرية 47%. وفي تصريح لوزير الخارجية الفرنسي كلود شيسون وهو بالمناسبة من أبرز الدعاة إلى حياد لبنان، يقول: «إنّ الأسرة الأوروبية تدرك أنها غير قادرة عملياً على جعل لبنان منطقة نفوذ لها بسبب التواجد الأميركي – السوري- الاسرائيلي فيه، ولكنها ستعمل كل ما بوسعها للحيلولة دون اقامة اسرائيل الكبرى وسوريا الكبرى على حساب لبنان الصغير».

5- في بعض الأحيان، اذ نقرأ تصريحات لمسؤولين فرنسيين حاليين حول سياسة فرنسا إزاء لبنان وبمعزل عن الجهات والأشخاص، نشعر وبأسف كأن هؤلاء لم يقرأوا شيئاً من تاريخ فرنسا وعلاقتها بالقضية الشرقية وبلبنان خاصة. إنّ التغيير والتبديل في النصوص حول لبنان يؤكدان حقيقة أساسية وهي أن واضعي هذه النصوص لم يكونوا على مستوى المهمة التاريخية التي تضعها على أكتافهم أهمية دور فرنسا التاريخي وخاصة في ما يتعلق بالقضية اللبنانية. هذا الموقف التاريخي الذي يجسد حقيقة النظرة الفرنسية إلى لبنان – القضية: كياناً وميثاقاً يجسد في قول المندوبة الفرنسية إلى الشرق الأوسط اليزابيث بيكار (Elisabeth Picard)، عندما قيل لها: لماذا تقوم إسرائيل وسوريا بما تقومان به إزاء لبنان؟ أجابت بصريح العبارة: «لأنّ قيام لبنان هو بذاته إسقاط لمشروعين: اسرائيل الكبرى وسوريا الكبرى».

إنّها سياسة العلم والمبدأ بالأمس في مواجهة سياسة الجيوب والاستزلام والبراميل اليوم!