IMLebanon

أسرار قوّة المبادرة الفرنسية

 

لا تكفي الظروف المحلّية، ولا الكوارث والإنهيارات العامة، لفرض حكومةٍ تتمتّع بالحدّ الأدنى من الصدقية. فموازين القوى “طابشة” بقوّة لمصلحة الفريق المُمسِك بفرقاء السلطة وأطرافها، ولو جرى اعتماد هذه الموازين لكنّا أمام بديل واحد من حكومة حسّان دياب، قِوامه استبدال التكنو التايواني فيها بالصيني الأصلي، ولذهبنا الى حكومة “ممانعة” كاملة الأوصاف، وفي حال المسايرة وحفظ قشرة المواثيق يتمّ الإبقاء على دياب وحكومته تصريفاً للأعمال، ولما تبقّى من مخزون الدولار.

 

ولو لم يتدخّل السيّد ماكرون، لم نكن لنشهد ليونة أو قبولاً بالبحث عن حكومة بمواصفات جديدة. فلا الإفقار الساري منذ عام، ولا تدمير نصف بيروت، حرّكا نخوةً في أركان المذاهب والميليشيا، ولا العزلة العربية والدولية جعلتهم يشعرون بالحاجة الى سلوك مسالك أخرى، الى أن تحرّكت فرنسا وطلبت اليهم تسهيل قيام “حكومة مهمّة”، مهمّتها تطبيق برنامج وضعت خطوطه انتفاضات اللبنانيين المتلاحقة، وتقارير المنظّمات الدولية التي راقبت بأسى وذعر تدهور الوضع اللبناني على يد قادته المُبجّلين.

 

ولم يكن محتوماً أن يتمّ التجاوب مع رغبات الفرنسيين. ففي ظروف أخرى كنّا سنشهد من سيتصدّى للتدخّل النيوكولونيالي أو الأمبريالي الإستعماري، ولربّما سمعنا من يعتبر المبادرة الفرنسية “وصرمايته سوا”… وكلّ ذلك ربّما لا يزال وارداً بمعزل عن حاجات لبنان وشعبه أو شعوبه. لكنّ الجديد في الموضوع هو متغيّرات المنطقة، وفي المقدّمة منها ليونة إيرانية فرضتها الحاجة الى انتظار نتائج الإنتخابات الأميركية، في وقت يخوض ترامب جزءاً من حملته على أرض الشرق الأوسط ديبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً… وفي المتغيّرات أيضاً نهوض روسيا الى لعب الدور الأوّل في سوريا، وفتحها ما يُمكن تسميته نافذة نحو تسوية سياسية، عبر تنشيط اللجنة الدستورية وتأكيدها على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف “تصفية آخر بؤر الإرهاب”، ما يعني أنّ التسوية السياسية والإنتعاش الإقتصادي الكامل لسوريا على رأس الإهتمامات.

 

وكما يفكّر ماكرون، الذي تشاور مع بوتين وروحاني والملك سلمان وغيرهم بشأن مبادرته في لبنان، يعرف الروس أنّ انتصارهم العسكري في سوريا يُمكن أن يتحول هزيمة اذا لم ينجحوا في التسوية السياسية والإنعاش الإقتصادي، وهذا مشروع سيحتاج الى رضى أميركي وتمويل أوروبي وخليجي.

 

مسار فرنسا في لبنان يتزامن مع مسار روسيا الجديد في سوريا، والإثنان يعتمدان على “تطويع” الرؤوس الحامية في سوريا ولبنان، وعلى برامج دعم خليجية ودولية برعاية وقبولٍ أميركيين.