IMLebanon

إنتهت قواعد اللعبة السياسية القديمة

 

 

على رغم كلّ المشكلات التي يغرق لبنان فيها، من دون بروز أي قارب نجاة أو خشبة خلاص في بحر هذه الأزمة، فإنّ التركيز منصّب الآن على الانتخابات النيابية غداً ونتائجها، في ظلّ ترقُّب لمرورها من دون أي إشكالات أو حادثٍ ما «يُطيّرها» في اللحظة الأخيرة. وترى مصادر ديبلوماسية، أنّ مرحلة ما بعد 15 أيار لن تكون كما أي مرحلة تلت أي انتخابات سابقة، إذ إنّ قواعد اللعبة السياسية في لبنان ستتغيّر.

يُتداول سياسياً وديبلوماسياً وإعلامياً بمبادرة فرنسية بعد الانتخابات النيابية الفرنسية في حزيران المقبل، تقضي بجمع الأفرقاء اللبنانيين حول طاولة واحدة، للبحث في جذور الأزمة، والذي قد يصل الى النظام وربّما سلاح «حزب الله».

هذه الفكرة واردة، بحسب مصادر ديبلوماسية مطّلعة، إلّا أنّ الكلام المتداول مبالغ فيه، كما كلّ شيء في لبنان، ومثل النظريات التي طُرحت عن زيارة البابا للبنان، وأنّها لدعم فلان ولإجراء مصالحات ومرتبطة بتحسُّن الوضع الإقليمي، والكلام الذي سبقها عن زيارة لـ«حزب الله» للفاتيكان وعن حوار بين الكرسي الرسولي مع «الحزب» وإيران، فتبيّن أنّها تلفيقات.

وبالنسبة الى سلاح «حزب الله» وعلى الرغم من أنّه مطروح دائماً وقد يُبحث جدّياً على الطاولة، إلّا أنّ المفتاح الأول لطرحه يبدأ من الداخل، بتوافق بحدٍ أدنى على مقاربة هذا الموضوع، بحسب هذه المصادر، ليعود ويُطرح على المنصات الخارجية، فيما أنّ الجو في لبنان الآن غير مؤاتٍ للبحث الجدّي في هذا الموضوع. وإذ من المؤكّد أنّ فرنسا تفكّر بتحرُّك ما بعد الانتخابات، إلّا أنّ التفاصيل المتداولة عن إدخال تعديلات الى الدستور اللبناني، من المُرجح أنّها غير مطروحة، وفق المصادر نفسها. فالمسألة ليست تعديل فقرة في الدستور، وهذا يتطلّب توافقاً داخلياً، والذي ليس بالضرورة أن يتوافر، ومرتبط كذلك بنتائج الانتخابات النيابية والتي لا يعلمها أحد مسبقاً.

كذلك بالنسبة الى مبادرة فرنسا، يفكر الفرنسيون بشيء ما، وبالنسبة إليهم، إذا كان الموضوع يتطلّب بعض التعديل و«الروتوش» يحلّ الأزمة، فمن الوارد أن يحصل اجتماع من هذا النوع، وفق ما توضح المصادر إيّاها. إنّما يبقى السؤال الأساس: هل هناك توافق لبناني على ذلك؟ فربّما تطرح فرنسا البحث في مواضيع معينة لا يتوافر إجماع لبناني عليها. هذا فضلاً عن أنّ التجربة السابقة مع المبادرة التي قادها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إثر انفجار 4 آب 2020، غير مشجّعة، فأحد في لبنان لم يستمع إليه أو يتجاوب مع مبادرته خلال زيارتيه لبيروت. وفي حين أنّه يُمكن طرح مواضيع عدة على طاولة النقاش، إلّا أنّ النتائج غير معروفة، لجهة طريقة معالجة الوضع اللبناني عبر هذه المقاربة، فهناك نتائج الانتخابات ومرحلة ما بعدها وكيف ستتعامل القوى السياسية مع هذا الوضع، بمعزل عمّن تكون الأكثرية والأقلية النيابية. إذ بعد هذه الانتخابات، سيتغيّر الجو العام بصرف النظر عن التوازنات العددية أو الحصص في مجلس النواب، لأنّ الأزمة كبيرة وتكبر.

وتشرح هذه المصادر الديبلوماسية، أنّه في الماضي وفي الأيام الطبيعية، كانت الانتخابات تحصل لتحدّد حجم كلّ حزب وموازين القوى. أمّا الآن، فالمسألة باتت تتجاوز موضوع الأعداد، لأنّ الأزمات التي نواجهها في لبنان كارثية، فاللبنانيون لا يمكنهم استعادة ودائعهم الى أزمة الدواء والاستشفاء والتعليم. وبالتالي، إنّ قواعد اللعبة أو الاعتبارات التي كانت مألوفة في مراحل سابقة، تغيّرت حساباتها وتوقّعاتها وطريقة التعامل معها داخلياً وخارجياً. كذلك، إنّ كلّ الأطراف تعاني من أزمات وأياً منها غير مرتاح، وإذا كان هناك طرف قادر على التجييش والضبط أكثر من غيره، غير أنّ كلّ الأطراف وحتى لو أُعيد انتخابها، لديها أزمة.

وترى المصادر الديبلوماسية، أنّ الانتخابات ستحصل، ويخسر طرف ويربح آخر ويتراجع فريق ويكبر آخر، لكن في النتيجة في 16 أيار، ستبقى أموال الناس مُحتجزة في المصارف والدولار بأسعار صرف لا تُصدّق، ولا ضمان اجتماعياً واستشفائياً.. وستبرز نظريات كثيرة عن نتيجة الربح والخسارة وتأثيرها، لكن الأزمة التي نحن فيها ليست واضحة ومحدّدة، و«كلّ شيء مضروب» ولم يبق شيء، ولم تُقرّ خطة التعافي بعد، وأحد لا يضمن أنّ التردي والانهيار الحاصل لن يتغيّر، وأنّ الناس سيستعيدون حقوقهم وأنّ الأسعار ستنخفض وسيُحلّ موضوع معيشة الناس. وبالتالي، إنّ الأزمة تُقاس بميزانٍ آخر، بحسب هذه المصادر الديبلوماسية، وكلّ أوضاع لبنان لم يعد في الإمكان وضعها في أي ميزان اعتدنا عليه قبل 4 سنوات أو 8 أو 20 سنة.