IMLebanon

إحباط

باتت القيادات السياسية ومعها مجلس النواب يتصرفان وكأن الحاجة الى انتخاب رئيس للبلاد قد انتفت أو أنها سقطت من حساب الجميع، من هذا الفريق ومن ذاك، حتى أن البطريرك الماروني الذي يعتبر استمرار الشغور في رأس الدولة معناه سقوط الهيكل ليس فقط على رأس المسيحيين بل على رؤوس الجميع من كل الطوائف التي اتفقت في ما بينها ذات يوم على قيام دولة لبنان الكبير المحدود بمساحة عشرة آلاف وأربعماية واثنان وخمسين كيلو متراً مربعاً، بمكوناته جميعها من مسلمين ومسيحيين على السواء.

ورغم الحروب الطاحنة التي شهدها هذا البلد منذ قيام دولة الاستقلال، وحتى في عهد المتصرفية، لم تثنِ اللبنانيين عن التمسّك بكينونة هذا الوطن على أساس العقد الاجتماعي الذي نشأ بينهم واستمر متماسكاً رغم قساوة تلك الحروب على الجميع.

وإذا كان يمكن أن نفهم الأسباب والظروف التي حالت دون انتخاب رئيس للجمهورية بعد أحداث السابع من أيار، ولم تحلّ الأزمة إلا بعد مؤتمر الدوحة الذي أعاد كل الأفرقاء الى «بيت الطاعة»، أي الى الاقتناع مرغمين بضرورة ملء الفراغ في رئاسة الجمهورية، فإن الظروف التي تمر بها انتخابات رئاسة الجمهورية والعراقيل التي توضع في الطريق الى سد الفراغ في هذا الموقع الذي يطمئن مسيحيي لبنان الى أنهم غير مستهدفين كباقي المسيحيين في العالم العربي تستوجب بل تحتّم على الجميع اليوم، أن يعوا خطورة بقاء هذا المركز الأول في الدولة العائد للمسيحيين على وضعهم ومصيرهم في هذا البلد وخصوصاً بعدما ارتفعت أصوات كثيرة من المسيحيين تتحدث عن الإحباط الذي يعيشون فيه بعد استمرار الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، وصار مطلوباً من الفريق الآخر الممثل بالمسلمين استدراك هذا الأمر وممارسة كل أشكال الضغط لتوفير الظروف الملائمة واستعجال ملء الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، ولكن يبدو أن بعض المسيحيين ونقولها بكل صراحة لا يدرك خطورة بقاء الفراغ في رئاسة الجمهورية والارجح انه يدرك ذلك تماماً، ومع ذلك يستمر في وضع العقبات والعراقيل ليبقى هذا الموقع شاغراً، حتى ولو أدى الامر الى تيئيس المسيحيين وحملهم على الهجرة وترك الوطن الأم كما اصبح حال المسيحيين في العراق وسوريا وربما في دول عربية اخرى يوجد فيها أقلية مسيحية، وذلك بدلاً من ان يكون السباق للتخلي عن بعض طموحاته حرصاً على هذا الموقع وعلى الوجود المسيحي في لبنان، الا اذا كان شريكاً في المؤامرة التي بدأت عناصرها تتكوّن ضد هذا الوجود المسيحي في لبنان وحتى في الشرق الاوسط برمته.

بعد أسبوع أو أكثر بقليل يفترض ان يجتمع مجلس النواب في الجلسة الخامسة عشرة لانتخاب رئيس جديد للبلاد وذلك في سباق محموم مع احتمال دعوة المجلس للانعقاد قبل هذا التاريخ من اجل التمديد لنفسه مرة ثانية بحجة انه لا يجوز ان يشمل الفراغ الحاصل بسبب الشغور الرئاسي مجلس النواب وبقية المؤسسات المكونة للدولة فهل معنى ذلك ان النواب والقيادات السياسية مجتمعة فقدوا الامل بالوصول الى تفاهم لملء الشغور في رئاسة الجمهورية ام انهم يتعمدون ابقاء هذا الموقع شاغراً، ويوضع عندئذ مصير مسيحيي لبنان على طاولة البحث الجدي كما هو حال المسيحيين في المنطقة.