IMLebanon

حوار “المستقبل” – “حزب الله” آتٍ وإن طالت مقدّماته

المتابعون لخط سير الحوار المرتقب بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” والذي اخذ بعدا اكبر بعد دعوة اليد الممدودة للفريق الآخر التي اطلقها الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ليلة العاشر من محرم، رأوا في الزيارة التي قام بها اخيرا رئيس كتلة “المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري لعين التينة، خطوة اولى في اتجاه التفاعل مع هذه الدعوة.

المتابعون إياهم انطلقوا في هذه القراءة من اعتبارين اساسيين:

الاول: ان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد كرس نفسه قناة اتصال وكسح الغام بغية اتمام موجبات هذا الحوار المرتقب، والذي نظر اليه طويلا باعتباره فاتحة مرحلة لا بد منها لكي تستقيم دورة الحياة السياسية في البلاد .

الثاني: ان “تيار المستقبل” بدا يبعث بمقدمات ورسائل فحواها ان ثمة شروطاً وسقوفاً لديه لا بد من التعامل معها قبل فتح باب الحوار وتحديد الاطر العملانية له . ومن المنطلق اياه كانت احاديث بعض الرموز غير الاساسية في التيار الازرق عن ضرورة ذهاب “حزب الله” الى انتخابات الرئاسة الاولى لإنهاء الشغور الرئاسي كشرط لازم لكي يستجيب التيار لدعوة نصرالله الحوارية.

ولم يعد خافيا، وفق معلومات، ان لقاء عين التينة الاخير هو تتويج لجولات تنسيق على هذا المستوى بقيت بعيدة عن الانظار بين المعاون السياسي للرئيس بري الوزير علي حسن خليل وبين نادر الحريري.

وبالاجمال فان دوائر القرار والمتابعة لدى الحزب بدأت تتعامل مع الامر وكانه حنجلة الرقصة التي سيقدم عليها التيار الازرق في وقت ليس ببعيد مع الحزب الذي صار قريبا من تبني اعتقاد جوهره ان “المستقبل” آت الى الحوار معه مهما طال الوقت وتعددت مقدمات هذا الحوار وشكلياته، لاعتبارات عدة ابرزها:

– ان قواعد اللعبة والاشتباك الداخلية قد تحولت وتغيرت بدرجة كبيرة، وهو واقع فرض على “المستقبل” امرين، الاول ان يتخلى طوعا عن شروط تصعيدية لا بل تعجيزية كان رفعها طوال نحو عام للقبول بالتشارك مع الحزب في حكومة واحدة. والثاني: ان يبذل التيار جهودا مكثفة ليؤكد لمن يعنيه الامر ان لا علاقة تربطه بالمجموعات والخلايا الارهابية وانه يرفع اي غطاء عنها وهو ما تسميه اوساط في الحزب انه تخل من التيار عن لعبة المراهنة والاستثمار على حالات معينة نشأت في ساحته في صيدا وفي طرابلس والبقاع، فتلك لعبة انتهى وقتها ونفد مفعولها ولا يمكن العودة اليها، وهو ما يفرض على التيار مغادرة مرحلة وولوج عتبة اخرى بمواصفات مختلفة.

– ان قواعد اللعبة في المنطقة نفسها تغيرت عما كانت عليه منذ اشتعال فتيل الاحداث في سوريا قبل نحو اربعة اعوام، فحالات الارهاب الاساسية التي كانت تكتفي في السابق بقتال النظام السوري وسعت دائرة حربها، وادرجت دولاً اقليمية بعينها على لائحة استهدافاتها، وهو امر لا بد من اخذه بالحسبان، خصوصا ان هذا الارهاب ضرب اخيرا ضربة موجعة دولة، مما اضطر سلطاتها الى بذل جهود كبرى لاستيعاب تداعياتها وامتصاص تبعاتها.

واذا كان “حزب الله” على هذه الدرجة من الثقة بأن دعوة سيده ستؤتي اكلها وستجد ردها وصداها لدى الطرف المعني بها، فانه يعي في المقابل أن هذا الامر ليس سهلا على التيار الذي اعتبر نفسه خلال الاعوام الاربعة الماضية في حال حرب ومواجهة سياسية واعلامية مع الحزب، وجيّش في سبيل ذلك قواعد واسعة تعاملت مع الحزب كحالة معادية تماما يحرم التعامل معها . وفي المقابل لم يقف الحزب مكتوفا اذ كانت له ردود اتسمت بالشراسة وكان لها وقعها .

فضلا عن ذلك، ثمة تاريخ من انعدام الثقة بين الطرفين لا يمكن القفز عليه وتجاوزه بسهولة ينطلق من تجارب حوارية سابقة لم يكتب لها الاكتمال والنجاح، ولا سيما تجربتي اتفاق جدة عام 2006 وتجربة التفاهم حول المحكمة الدولية والذي وضعت خطوطه العريضة. في وثيقة مكتوبة قبل ان يبادر “حزب الله” وحلفاؤه الى اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري الاولى وينفرط عقد الامور .وبناء عليه فان امر الحوار المرتقب او المحكي عنه خاضع لتجاذب بين الطرفين وسيأخذ وقته حكما من جهة، وخاضع من جهة اخرى لنوع من تهيب الطرفين وخشيتهما المضمرة من تكرار التجارب السابقة التي اضطرت في يوم من الايام الرئيس سعد الحريري الى الوقوف امام جمهوره العريض في ساحة الشهداء ويعلن فتح الحرب على سلاح الحزب وهي حرب تتوالى فصولا حتى الساعة .

وبناء على كل هذه المعطيات، كان لا بد للطرفين من ان يبحثا بتأن عن مرتكزات مسبقة لهذا الحوار وعن مناخات ملائمة واوراق مناسبة قبل ان يقلع قطاره. لذا لم يكن مفاجئا انه وبعد ساعات قليلة على زيارة وفد “المستقبل” الى عين التينة يزور وفد قيادي من الحزب الرابية. فاذا كان بالامكان ادراج الزيارة الاولى في خانة التنسيق والاستعداد لملاقاة مرحلة ما بعد التمديد لمجلس النواب والذي بدأه “تيار المستقبل” ومررته حسابات الرئيس بري، واذا كان بالامكان ادراج الزيارة الثانية في خانة وقوف الحزب على خاطر العماد ميشال عون بعد مفارقة الحزب له في معركة معارضة التمديد وتمهيدا لمرحلة ما بعد هذا التمديد، فان عارفين يتحدثون عن قاسم مشترك بين الزيارتين وهو تمهيد ما يمكن تمهيده من اجواء لولوج عتبة الحوار المنتظر بين التيار والحزب في حال انطلاقته، خصوصا ان هذا الحوار قد تنصب طاولته بعد اعلان عون عن انطواء صفحة حواره الذي استمر ما يقرب من عام مع التيار الازرق حول موضوع الرئاسة الاولى، وهو امر اقترن مع تصريحات وخطب لاعضاء “تكتل التغيير والاصلاح” توحي بان اجواء المواجهة السياسية والاعلامية بين الطرفين توشك ان تعود.