IMLebanon

لعبة «الشراكة» بين شهود الزور والمراسيم

يلتقي كُثُر على اعتبار أنّ المخاوف من استقالة الحكومة ليست في محلها. فأقصى ما هو مُتوقع أن يجمد رئيس الحكومة جلساتها فينصرف كلُّ وزير الى إدارة ملفاته، ففي غياب رئيس الجمهورية تعمل الحكومة بهدي تصريف الأعمال، والتهديد بمقاطعتها الى أن تعالج المراسيم التي صدرت بالثلثين لن يقدّم أو يؤخّر ما خلا إحياء تجربة «شهود الزور». فما هو المُتوقع؟

بمعزلٍ عن الآراء الدستورية التي تصنّف حكومة «المصلحة الوطنية» ما بين حكومة كاملة الأوصاف آلت اليها صلاحيات رئيس الجمهورية «وكالة»، وحكومة «تصريف الأعمال»، فإنّ النقاش الدائر حول الحدّ الفاصل بين صلاحيات «مجلس الوزراء مجتمعاً» وقد آلت اليه صلاحيات الرئيس المفقود وصلاحيات رئيس الحكومة سيبقى في الإطار عينه خاضعاً لمزاجية أصحاب الآراء والمطالعات التي يمكن إصدارها «غبّ الطلب» على قاعدة «قل لي ما تريد لتؤدي المطالعة الدستورية الغرض عينه»، وتنتهي الرواية عند هذا الحدّ في إطار الإصطفاف الحاد بين اللبنانيين، ونقطة عالسطر.

على هذه الخلفية تجرى الأمور في البلد، وما يخشاه المراقبون أن يكون معظم الأفرقاء باتوا أسرى مواقفهم. فدعاة أولوية البحث في آلية العمل الحكومي على مختلف القضايا الأخرى باتوا اسرى مواقفهم منذ أن تعطّلت أعمال مجلس الوزراء في جلسة 4 حزيران الماضي، وقد بُتّ بكثير من الملفات الطارِئة وتجاوَز المجلس هذا الطرح عندما نظر في عدد من القضايا المالية والإدارية الى أن خُرِقت هذه القاعدة التي قادت الى شلل المجلس عندما بَتّ 16 وزيراً أمس في إلغاء مناقصات النفايات وتخصيص 100 مليون دولار لعكار.

ولهذه الأسباب يخشى المراقبون من تطوّرات جديدة بدأت تذر بقرنها عندما ربط وزراء حزب الله و»التيار الوطني الحر» و»الطاشناق» و»المردة» في أيّ جلسة مقبلة لمجلس الوزراء حضورَهم بمصير المراسيم التي أصدرها رئيس الحكومة موقَعَة من 18 وزيراً ( ثلثَي أعضاء الحكومة قانوناً).

وهو ما وضع كتلة وزارية بهذا الحجم في موقع الدفاع عن طرح النائب ميشال عون ولكن وفق عنوان جديد تخطّى الآلية وطَرَح المراسيم، وهو ما دفع الى الخوف من أن يُعيد التاريخ نفسه بسرعة. فاستذكروا تجربة «شهود الزور» التي طيّرت حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة الرئيس سعد الحريري في 18 كانون الثاني 2011 وكان بعدها ما كان.

وقياساً على الخوف من أن تتكرّر هذه المعادلة ارتفع منسوبُ القلق على مصير الحكومة السلامية على رغم الإختلاف في الظروف التي رافقت تلك المرحلة. ففي الشكل كان هناك رئيسٌ للجمهورية رُفعت اليه الإستقالة وأجرى استشاراته النيابية الملزِمة لإختيار الخلف.

أما اليوم فالوضع مختلف، فإلى مَن سيقدّم الرئيس تمام سلام استقالته؟ أمام للشعب كما طالب بعض المعتصمين في ساحة رياض الصلح؟ ومَن سيجري الإستشارات النيابية الملزِمة؟

من الثابت أنّ تقديم الإستقالة للشعب أمر غير وارد دستورياً وقد تكون في حال حصولها نوعاً من الخدعة السياسية لا تنفي بقاءَ سلام رئيساً لحكومةٍ معطَلة في بلد عاجز عن الإحتفاظ بآخر مؤسسة دستورية حصرت فيها كلّ صلاحيات إدارة البلد وشؤون الناس في غياب رئيس الجمهورية، وهي خطوة لن يُقدِم عليها سلام أيّاً كانت الكلفة المقدَّرَة؟

ومَن سيُجري الإستشارات النيابية الملزِمة؟ ثمّة رأي لمراجع دستورية يقول إنّ في إمكان رئيس الحكومة طرح استقالته أمام الحكومة نفسها. فهي اليوم تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية وبامكانها مجتمعة أن تقبلها؟ وأنّ رئيس الحكومة نفسه يمكنه مُحاطاً بوزرائه الـ 24 أن يجري الإستشارات النيابية الملزِمة لتكليف مَن يشكّل الحكومة الجديدة!؟

وفي المقابل يرى خبراءٌ دستوريون في هذه المخارج خَرْقاً كبيراً للدستور. فليس في أيّ دولة في العالم دستورٌ أو نظامُ حُكم يقول بهذه الآلية. فمهما تعدَّدت الأنظمة الديموقراطية التي تتحدّث عن استقالة حكومة وإعادة تكليف مَن يشكّلها ليس هناك مَن يقول إنّ رئيس حكومة يتقدّم باستقالته أمام «المرآة» ويتولّى هو بنفسه إعادة تكليف مَن يرثه المسؤولية؟!

وانطلاقاً ممّا تقدّم ينتظر المراقبون ما سيكون عليه الوضع في جلسة مجلس الوزراء اليوم ليُبنى على الشيء مقتضاه. فإذا كرّر الوزراء الستة الخطوة عينها بالإنسحاب الى حين تسوية المراسيم سيُفتَح الباب امام سيناريوهات أخرى لا يمكن التكهّن بما ستكون عليه نتائج ولوج أيّ منها.

لكنّ المنطق السياسي يقول إنّ حزب الله لا يمكنه التخلّي عن الحكومة وستكون عندها خطوته وزملاءه تكريساً للمبدأ الذي يقول «منشلّ ما منفلّ» ولعلّ الساعات المقبلة ستكون خيرَ دليل على ما هو مُنتظر!؟