IMLebanon

غاز ونفط أو مستوى علمي رفيع وحدّ من الفساد؟

تتزايد الآمال في الوضع الراهن في لبنان بأن استخراج الغاز سيشكل الحل السحري لكل مشاكلنا الإقتصادية والإجتماعية، وسيكون الشرارة لتطوير المجتمع الذي يراوح مكانه منذ الإستقلال.

الّا أن الواقع الفعلي يؤكد أن أي ثروات طبيعية لن تحقق النمو المطلوب ما لم نعطِ الإهتمام الكافي للمستوى التعليمي، ونقله الى مستوى عصري وعالمي يواكب التقدم الحاصل في هذا المجال، وأيضاً في الحد من الفساد بالمستوى نفسه، وتثبت التجارب العالمية اليوم أن الثروات الطبيعية بحد ذاتها لم تكن هي المعيار لنجاح المجتمعات وتقدّمها، وهناك أمثلة لدول حققت نجاحات هائلة بعد أن جعلت أولويتها التعليم والحد من الفساد.

فمثلاً سنغافورة الدولة الصغيرة (تبلغ مساحتها 710.3كم مربع أي واحد على خمسة عشر من مساحة لبنان تقريباً، ويقدّر عدد سكانها ب 5 ملايين نسمة )، حققت إنجازات هائلة جعلت منها دولة متقدمة.

إلّا أن الإنجاز الحقيقي الذي حققته هذه الجزيرة الصغيرة هو تطوير نظام تعليمي يُعتبر أحد أرقى أنظمة التعليم في العالم. حيث مكّنها نظامها التعليمي من تكوين كفاءات وخبرات ساهمت في بناء إقتصاد البلد.

إختارت سنغافورة أن تركّز على رأس المال الحقيقي الذي تملكه، والذي اعتمدت عليه في تحقيق معجزتها الإقتصادية : الإنسان. وتمكنت ان تصبح ثالث أعلى دخل فردي في العالم بعد قطر ولوكسمبورغ.

ومثال آخر هو كوريا الجنوبية، التي عرف عن شعبها سعيه الدائم لتعليم أفضل بالرغم من الصعوبات الناتجة عن الحكومة والمدارس الحكومية، إلّا أن إصرار الشعب الكوري للحصول على المستوى الأفضل ساهم بأن يصبح التعليم أداة فعالة في مسيرة التنمية السياسية والإقتصادية والإجتماعية في كوريا الجنوبية .

أما سنغافورة، فبعدما كانت تعتبر من أكثر الدول فساداً، أصبحت خلال الثلاثين سنة الأخيرة أقل الدول فساداً في آسيا ومن بين أقل الدول فساداً على مستوى العالم وفق معايير منظمة الشفافية العالمية.

و تعتبر تجربة سنغافورة من أنجح التجارب الدولية في مكافحة الفساد، حيث تحتل المرتبة السابعة بين دول العالم طبقاً لتقرير منظمة الشفافية العالمية عن عام 2015 ، ويرجع هذا النجاح إلى عوامل عدّة منها: الرغبة السياسية في القضاء على الفساد ووضع استراتيجيات وآليات جادة لمحاربة الفساد ورفض المجتمع المدني للفساد كوسيلة للعيش.

والنتيجة المباشرة لهذين الموضوعين هو تحقيق معجزة إقتصادية على كل الصعد، حيث حسّنت سنغافورة مستويات معيشة مواطنيها بشكل أكثر شمولاً من أي مجتمع آخر.

وبالتالي إن التعويل على استخراج الغاز والنفط فقط لإخراجنا من أزمتنا الراهنة هو في غير محله، ما لم نركز على الإنسان وتطويره، وهذا لن يتم اذا لم نعطِ الأهمية اللازمة للتعليم والحد من الفساد الذي ينخر مجتمعنا بشكل يومي وسيُهدد أي ثروات طبيعية إن وجدت، وبالتالي يجب العمل على تطبيق استراتيجية كاملة لمكافحة الفساد واقرار القوانين اللازمة لذلك، وأهمها قانون حق الوصول الى المعلومات كما الإنطلاق نحو تعليم فعّال لبناء الإنسان، الذي ما زال حتى اليوم في أسفل سلّم الأولويات.

أدعو الجميع الى التفكير ملياً بهذين الموضوعين، ويجب ان نسعى بكافة الطرق لتحقيق هذه الأهداف، وأتمنى فتح باب الحوار من الجميع. أنا شخصياً، أتمنى لبلدي النفط والغاز والمستوى العلمي الرفيع والحدّ من الفساد، ولكن اذا فُرض عليّ أن أختار، فسيكون خياري حتماً المستوى العلمي الرفيع والحد من الفساد، علماً أننا يجب ان نعمل على استخراج الغاز والنفط من دون أدنى شك، ولكن من دون مستوى علمي رفيع والحد من الفساد سيكون مصير نفطنا وغازنا كما مصير مداخيلنا الأخرى، من احتكار المرفأ والمطار وصولاً الى النفايات.