IMLebanon

أطماع الشركات تقلّص المعروض: لا أزمة بنزين

  

 

ثلاثة أطراف يسهمون في تقليص نسبة المعروض من مادة البنزين، المستوردون والموزعون والمحطات. كل منهم يسعى إلى تخزين ما أمكن لكي يكسب فارق السعر في الأسبوع الذي يلي. وفي ظل الاتجاه التصاعدي للأسعار، فإن ذلك قد يتكرر كل أسبوع إذا لم تعمد وزارة الطاقة إلى تنظيم عمل الشركات وإعداد جداول مقارنة بين ما تشتريه من محروقات وما تبيعه. في هذا الوقت، تستمر شكاوى الشركات من تأخر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات

 

هل من أزمة بنزين جديدة تلوح في الأفق؟ مجرّد التساؤل جعل الناس يسارعون إلى المحطات لملء خزانات سياراتهم بالوقود. البيان الصادر عن محطات الأيتام، زاد الذعر. في البيان، أسفٌ لـ«نفاد المخزون في معظم البقاع والجنوب، وتوافره في محطات بيروت حتى يوم غدٍ، حيث سيبدأ بالنفاد في عدد منها».

 

تقول إدارة المحطات إن الأمر «عائد إلى اقتصار التوزيع على المنشآت وعدد قليل جداً من الشركات، في حين توقف باقي الشركات عن التوزيع».

مصادر مطلعة توضح أن شح مادة البنزين سببه ثلاثة أمور: تأخر المصارف في فتح الاعتمادات لشركات استيراد النفط، وسعي كل أطراف سلسلة الإمداد، أي المستوردين والموزعين والمحطات، إلى تخزين البنزين للاستفادة من ارتفاع الأسعار، وتقلص قدرة منشآت النفط على بيع البنزين بسبب مشارفة مخزونها على النفاد.

أزمة محطات الأيتام مرتبطة بالمشكلة الأخيرة، فهي منذ بدأت المنشآت باستيراد البنزين وقّعت معها عقداً لتزويدها بحاجتها. إلا أن دخول المنشآت، كما الشركة التي تستورد لصالحها (zr energie)، على خط أزمة الفيول المغشوش، أدى إلى عرقلة عمل المنشآت وتأخرها في استيراد الفيول. تقول مصادر مطلعة إن المنشآت تتريث في استكمال العقد، أضف إلى أنها غير قادرة على التواصل مع الشركة المورّدة، في ظل تواري ممثلها عن الأنظار. ولذلك، حرصاً منها على تأمين حاجة السوق، عمدت إلى إطلاق مناقصة جديدة لاستيراد البنزين، بالرغم من أن الكمية المتعاقد عليها مع ZR (١٥٠ ألف طن) لم تُستورد بكاملها (غداً تفضّ العروض).

الحصة السوقية المنخفضة للمنشآت (١٠ في المئة)، بغض النظر عن واقعها الراهن، تحدّ من تأثيرها في السوق، فيما تبقى الشركات هي المزود الأساسي للبنزين. لكن تزداد شكاوى هذه الشركات من تأخر مصرف لبنان في تأمين الاعتمادات الدولارية المطلوبة للاستيراد. وذلك يتسبب في تأخير الشحنات وتأخير عمليات التفريغ. ولذلك، يطالب ممثل شركات التوزيع، فادي أبو شقرا، وزير الطاقة، عبر «الأخبار»، بمعالجة الموضوع في أسرع وقت، قبل أن تتفاقم أزمة شح الفيول.

 

«الفيول المغشوش» يسهم في تقليص مخزون منشآت النفط من المحروقات

 

 

الضلع الثالث للأزمة مرتبط ببدء الأسعار العالمية للنفط بالارتفاع. الأربعاء في ٢٠ أيار الماضي، كان سعر صفيحة البنزين عند التسلم في بيروت ٥٤٢٠ ليرة، بينما كانت الرسوم الواجبة عليها ١٢٣٤٠ ليرة. في الأسبوع الذي تلى، أي في ٢٨ أيار (تأخر إصدار الجدول يوماً واحداً)، تبين أن سعر الصفيحة عند التسلم ارتفع ٥٠٠ ليرة ليصل إلى ٥٩٢٠ ليرة، لكن نظراً إلى تثبيت سعر المبيع للعموم، فقد انخفضت الرسوم إلى ١١٨٤٠ ليرة، ما يعني أن الـ٥٠٠ ليرة التي زادت على سعر الصفيحة حسمت من الرسوم.

انطلاقاً من اعتبار شركات النفط وخزّاناتها البحرية بمثابة مناطق حرة، فإن دفع الرسوم لا يتم عند تسلّم الشحنة، بل تُدفع يومياً عن الكميات المحملة في صهاريج التوزيع، أي عند خروجها من خزاناتها. وعليه، فإن هذه الرسوم لا تُدفع بحسب قيمتها المحددة لدى تسلّم الشحنة، بل بحسب قيمتها في يوم تسليم الكميات المطلوبة للموزّعين. هنا تحديداً تبدأ الأطماع بتصدّر المشهد. لشركة النفط مصلحة في تخفيض كمية البنزين المسلّمة والمحافظة على القدر الأكبر من المخزون بانتظار نشر الجدول الجديد. انطلاقاً من أن التسليم بعده يوفر عليها ٥٠٠ ليرة عن كل صفيحة.

 

تقلصت قدرة منشآت النفط على بيع البنزين بسبب مشارفة مخزونها على النفاد

 

 

بالتوازي، تسعى شركات التوزيع إلى تخزين ما أمكن من الكميات قبل ارتفاع الرسوم، علّ فارق السعر يكون في صالحها، والأمر نفسه تسعى إليه المحطات، التي تعمد إلى تخزين البنزين وبيعه بحسب السعر الأعلى.

يقلل نقيب مستوردي النفط، جورج فياض، من تأثير هذه المساعي. يقول إن هذه عملية تجارية طبيعية تحصل في حالات ارتفاع السعر أو انخفاضه، فالكل يسعى إلى التخزين للاستفادة من فارق السعر إذا كان متجهاً صعوداً، والكل يسعى إلى تقليص التخزين إذا كان متجهاً نزولاً.

ويؤكد فياض أن هذا الصراع أو التنافس لا ينعكس على المستهلكين. والأمر نفسه كرّره تجمّع المستوردين في بيان، إذ أشار إلى أنه «لا داعي للتهافت إلى محطات توزيع المحروقات، حيث ستقوم الشركات بتوزيع المحروقات كالمعتاد بدءاً من الإثنين (اليوم). لكن في البيان أيضاً إشارة إلى تقييد حركة التوزيع ربطاً بعوامل ثلاثة: حاجة السوق وبرمجة البواخر التي تصل تباعاً والمخزون. كما ترفع الشركات عنها تهمة التخزين لتلصقها بالموزعين «الذين يسعون إلى التخزين أكثر من طاقتهم وأكثر من الطلب الفعلي للسوق».

بحسب البيان، فإن الأكيد أن لا أزمة بنزين في الأفق، خاصة أن لا مصلحة لأحد في التوقف عن البيع. لكن مع ذلك فإن أحداً لا يضمن أن تنخفض الكميات المعروضة في الأيام الثلاثة التي تسبق إصدار جدول تركيب الأسعار، ما دامت الأسعار تشهد ارتفاعاً. وهذا يتطلب، بحسب مصدر معني، تدخّل وزارة الطاقة في أمرين: حثّ مصرف لبنان على عدم تأخير دفع الاعتمادات، وإصدار جداول توضح الكميات المستوردة والكميات الموزعة، أو على الأقل مراقبة هذه الكميات ومنع الشركات من تقليص مستوى البيع عن المعدل اليومي تحت أي ظرف (حاجة السوق ٥.٥ ملايين برميل يومياً، انخفضت نحو ٣٠ في المئة في فترة التعبئة العامة).

 

المازوت مفقود أيضاً

إضافة إلى البنزين، يستمر الشح في مادة المازوت في الأسواق. لكن هنا، بخلاف البنزين، فإن للمنشآت الحصة السوقية الأكبر، ما يعني أن تقليص إمداداتها يمكن أن يؤثر سلباً على المستهلكين. يُذكر أن المناقصة التي أطلقتها المنشآت لاستيراد المازوت فشلت للمرة الثانية على التوالي، بسبب تقدم عارض وحيد (كورال). وبحسب قانون المحاسبة العمومية، فإن الإدارة المعنية يحق لها بعد ذلك أن تختار ما بين إعادة إجراء المناقصة أو التفاوض على السعر مع الشركة المتقدّمة. التأخير، إضافة إلى انخفاض اهتمام شركات النفط باستيراد هذه المادة، أسهما في فقدانها من السوق، علماً بأن رئيس تجمّع مستوردي النفط جورج فيّاض يقول إن الشركات تسعى إلى تنظيم إمداداتها، ما يعوّض النقص في السوق قدر الإمكان.

بالنتيجة، فإن أصحاب المولدات الخاصة، الفئة الأكثر استهلاكاً للمازوت، يؤكدون أنهم يشترون هذه المادة من السوق السوداء، وبزيادة تصل إلى ٣٠ في المئة، علماً بأن ثمة في المقابل من يقول إن هذه العمليات محدودة، فعدد من الشركات عرض على أصحاب المولدات كميات من المازوت، إلا أنهم إما لا يملكون القدرة على التخزين، أو يخزنون كميات فائضة عن حاجتهم للمتاجرة بها.