IMLebanon

مَن الغالب والمغلوب في حرب غزة؟

 

من الصعوبة في الحروب تحديد الرابح أو الخاسر، أو الغالب والمغلوب، لأنه في الحروب يكون كل المعنيين خاسرين، المباشرين وغير المباشرين. لكن بعد مرور 60 يوماً من هذه الحرب الدراماتيكية والمروّعة، الدموية والكارثية، علينا أن نقرأ بين السطور، لتحديد مَن المستفيد جرّاء هدر الدماء وذرف الدموع، والتخريب والتهجير.

نذكّر ونشدّد على أن في كل الحروب التي شهدها العالم، يدفع ثمنها الأكبر والباهظ، الأبرياء، والأطفال، النساء، والشيوخ من الجهة الأساسية، ومن جهة أخرى، يدفع الثمن الإقتصاد والممتلكات، والشعوب والبلاد المعنية ككل. لسوء الحظ إن الحروب أصبحت صندوق بريد للرسائل الملغومة بين الدول الكبرى والعملاقة.

لا شك في أنّ إسرائيل دفعت وستدفع ثمناً باهظاً، على الصعيد المالي، النقدي، والإجتماعي. بتدمير غزة، تقوم بتدمير ذاتي، حيال وعدها ووهمها الكبير بأنها منصّة الشرق الأوسط، وأنها تؤمّن الأمن والإستقرار والإنماء والأرض الخصبة. لقد سقطت الأقنعة، وظهرت حقيقة الجلاّد وطبيعته.
في الوقت عينه، لا شك في أن فلسطين والفلسطينيين يدفعون ثمناً باهظاً أيضاً، جرّاء سقوط الشهداء، والضحايا، والجرحى، والدماء والبكاء والهدم والخراب. وسيكون صعباً جداً إعادة البناء.
من رؤية إقليمية، لا شك في أن إيران كانت منزعجة جداً من التقارب العربي – الإسرائيلي، ومحاولة التطبيع بالأخَصّ مع المملكة العربية السعودية، التي لو حصلت، كانت ستزيد عزلتها. فمن بعد هذه الحرب الكارثية، سيكون صعباً جداً ومن المستحيلات، إعادة المفاوضات والتقارب والتطبيع، بين إسرائيل والبلدان العربية، والتي تراجعت أشواطاً وما دون الصفر.

من جهة أخرى، إنه من الواضح أن إيران قد استرجعت دورها الأساسي في المنطقة، ووراء الستار، أعادت المفاوضات مع الولايات المتحدة، التي خفّضت بعض العقوبات المالية والنقدية المفروضة عليها. وإن مفاوضات ومحادثات سرّية تحصل بين الجانبين.

أما على الصعيد التركي، فهنا أيضاً فرضت نفسها هذه الدولة العظمى، لاعباً أساسياً في المنطقة، في مفاوضات الحرب والسلام. وقد بدأت الأحاديث عن إعادة إعمار غزة، وحتى عن مؤتمر سلام شامل.

وعلى الصعيد القطري، هنا أيضاً، فرضت نفسها كمفاوض أساسي لتبادل الرهائن، في الأحاديث غير المباشرة بين الأعداء، وقد كانت قطر العنصر الأساسي في وقف إطلاق النار.

من الرؤية العالمية، لا شك في أن روسيا هي المستفيد غير المباشر الأول، لأنّ الأنظار والأضواء أُزيلت عن حربها على أوكرانيا، ولم يعد هذا الإدعاء في سلّم أولويات الدول، فتُتابع عدوانها وهجومها وتدميرها لأوكرانيا، من دون أي إزعاج أو تدخُّلات بعيدة عن الأنظار والشاشات.
أما الصين، ورغم تكتُّمها، فهي أيضاً المستفيد غير المباشر من هذه الحرب، لأنها شدّت محورها الأساسي، الذي يربطها بإيران وروسيا، وحتى طريق الحرير، وشدّدت ضغوطها على الولايات المتحدة كما على أوروبا وإسرائيل.

في المحصّلة، هناك مفاوضات مكثّفة لتمديد وقف إطلاق النار، ومحاولة إجراء محادثات جدّية للسلام في المنطقة. إننا على مفترق طرق، إما تكبير بقعة الحرب وجرّ المنطقة إلى تشنُّجات أكبر، وإما تنظيم مؤتمر سلام شامل. وكذلك إما سنبقى في إقتصاد حرب مدمّرة، وإما سنذهب إلى إقتصاد السلام والإنماء. نذكّر ونشدّد على أنه في الحروب من الصعب تحديد الرابح والخاسر أم الغالب والغلوب، لأن المصالح تكون بعيدة عن الحدود، فيما المعنيون والمستفيدون واللاعبون كثر.