IMLebanon

لهذه الاسباب: أيّ وقف للنار ما زال بعيداً!

 

 

وضعت مراجع ديبلوماسية وعسكرية عند تعدادها العوائق التي تحول دون وقفٍ نهائي لإطلاق النار في غزة في مقدمة أسبابها فقدان اي مشروع سياسي يُحاكي اليوم الاول لما بعده، وهو ما يهدد بإطالة أمد الحرب عدا عن المخاوف على الأمن والسلام الدوليين. ومرد ذلك الى تعدد المشاريع المتناقضة التي لم تلتق بعد على ايّ من القواسم المشتركة بعد مرور شهرين على بدء الحرب. وعليه، ما هي مواقف الأطراف المؤثرة؟

عبرت آخر المهل المتوقعة لتداعيات عملية «طوفان الاقصى» والرد الاسرائيلي بـ«السيوف الحديدية» بدخولها مهلة الشهرين لتقترب من لائحة أطول الحروب بين العرب واسرائيل وعلى مستوى الحروب الإسرائيلية ـ الفلسطينية، كذلك اقتربت من ان تسجل اكبر الارقام التي تعود لها حول عدد ضحاياها من المدنيين والعسكريين الاسرائيليين كما الفلسطينيين الذين دفعوا حتى الأمس القريب أكبر ضريبة دموية باقتراب عدد الشهداء من 16 الف شهيد، بمن فيهم من اطفال ونساء، وتزايد عدد المفقودين على الآلاف الثمانية واقتراب عدد الجرحى من الاربعين الفاً إن لم يتجاوز هذا الرقم بقليل، فيما دخلت لائحة المجازر التي ارتكبتها الآلة العسكرية الاسرائيلية كتاب «غينيس بوك» بكل أريحية.

 

على هذه الخلفيات تحفل الصالونات الديبلوماسية بالسيناريوهات التي تحاكي مواقف الأطراف الدولية المؤثرة في ما يجري، خصوصا ان الازمة أعادت وضع القضية الفلسطينية على طاولات معظم رؤساء العالم كما شكّلت دافعاً الى مجموعة من المؤتمرات والقمم الاستثنائية التي لم تقف عند حدود العالم العربي. فهي شكلت مادة على جدول أعمال مجموعة الدول السبع التي انعقدت في الثلث الأخير من تشرين الأول الماضي في اليابان عشية الهجوم البري على قطاع غزة في 27 منه، بعدما كانت حاضرة في مجموعة المؤتمرات والقمم العربية والدولية من «مؤتمر القاهرة للسلام» الى القمة السعودية ـ الافريقية والقمة الاستثنائية العربية – الإسلامية في الرياض وصولاً الى قمة مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي قبل يومين التي استضافتها الدوحة أمس الأول حيث كانت تطبخ كل التفاهمات الدقيقة والحساسة.

 

وان كانت مفاوضات الدوحة قد شهدت اولى الطروحات المتبادلة التي تحاكي الوضع في قطاع غزة في «اليوم الأول» الذي تَبعَ لوَقف الحرب من دون الوصول اليه، فإنها في الوقت عينه تمكنت من تحقيق مجموعة من «الهدن الانسانية» التي ساهمت في التخفيف من حدة الأزمة في القطاع، مقابل تكبير الشرخ بين حكومة الحرب ورئيسها بنيامين نتانياهو واهالي الرهائن والأسرى من المدنيين حاملي الجنسيتين الاسرائيلية ودول اخرى والعسكريين الذين يشكلون اقوى الاوراق التي ما تزال تُمسك بها حركة «حماس». ولا ينسى انها وفّرت الحد الادنى المطلوب من الحاجيات الانسانية للقطاع الطبي في قطاع غزة وما كانت تحتاجه ما تبقّى من مستشفيات عاملة فيه بعد إقفال وتدمير مجموعة منها ومعها مراكز العناية الطبية التي نَدر وجودها كما بالنسبة الى مراكز وكالة «الاونروا» والمنظمات الاممية التي توفّر المعونات لأهالي القطاع.

 

وانطلاقاً من هذه المعطيات، فإنّ التوغل في قراءة مواقف القوى الدولية المؤثرة في مجريات الحرب يدفع الى تصنيفها وفق جدول قديم ـ جديد وضعَ الولايات المتحدة في مقدمها مُضافة الى المجموعة العربية التي تقدمتها قطر، مدعومة بالقوة التي تمثّلها مصر والمملكة العربية السعودية بالتعاون والتنسيق مع ايران بالإضافة الى بعض الدول الاوروبية والغربية. ومنعاً لأيّ توسّع في توصيف بعض الادوار ما لا يتسِع لها المقال، فقد توقفت مراجع ديبلوماسية أمام ما أعاقَ القوتين الاميركية منها والعربية إمكان توصّلهما الى الحل وفق المعطيات الآتية.

 

على المستوى الأميركي يبدو واضحا ان واشنطن تواجه اكثر من عقدة عَصية على الحل حتى اليوم. فهي في مواجهة غير معلنة مع حكومة الحرب الاسرائيلية من دون ان يصل الامر الى وقف المساعدات السخية لها، ولكنها قد تضطر قريبا الى لجم التحرك العسكري بعدما تجاوزت اسرائيل اكثر من خط احمر اميركي. فإشادات رئيسها جو بايدن بـ«التمييز» الإسرائيلي بين المدنيين والمسلحين في غزة لم تكن موفقة ولم يصدّقها معاونوه والمسؤولون الكبار في البيت الابيض ووزارة الخارجية كما في الكونغرس قبل غيرهم من الخصوم والحلفاء. بدليل الفارق الكبير بين لائحة الضحايا التي خَلت من ايّ قائد كبير من حركة «حماس» من ضمن اللائحة السداسية التي كشفت عنها تل ابيب اكثر من مرة، وفاضَت بالمدنيين العُزّل عدا عن تدمير القطاعات الحيوية لا سيما منها الطبية والإنسانية والمراكز الأممية، على رغم من رفعها علم الأمم المتحدة وما يوفّره من ضمانات دولية استباحتها اسرائيل وأنهت خدمات كثير منها.

 

وبالاضافة الى هذه المؤشرات فإنّ الولايات المتحدة لم تتمكن بعد من إقناع الاسرائيليين والفلسطينيين بخطوتين مهمتين تتعلقان بالتعهّد المُسبق بعدم بقاء الاحتلال للقطاع بعد الحرب، ولا باستقطاب السلطة منذ اليوم لإدارته. فإلى صعوبة الاولى يبقى دون الثانية شروط فلسطينية وضعها الرئيس محمود عباس وتفوق بتعقيداتها إن لم تُساو الشروط الإسرائيلية وتلك التي وضعتها «حماس» في آن، ولم يجمع عليها بعد الوسطاء الدوليّون الآخرون ولا ايران ان كانت لها كلمة في هذا المضمار، فهي ترى انّ «حماس» هي «البديل الشرعي» عن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، كما عبّر عن ذلك اكثر من وجه من وجوه محور الممانعة.

 

ولا يتجاهل المراقبون أيضاً المصاعب التي تواجهها واشنطن نتيجة تعرّض قواعدها ومواقعها في العراق وسوريا والبحر الاحمر لعمليات أدّت الى مقتل جنود لها واصابة آخرين من دون إهمال الاستحقاقات التي فرضت عليها في البحر الأحمر بعد تعطيل الملاحة في مضيق «باب المندب» والمخاطر المحتملة في مضيق هرمز والخليج العربي، وهي أحداث قد تُلهي الاميركيين عن اهتماماتهم بالمواجهة المفتوحة في غزة وجنوب لبنان.

 

أما على المستوى العربي والخليجي تحديداً فقد عجزت هذه الدول عن رفع مستوى خطابها ولم تنتقل من موقع المُحذّر مما يجري من خلال مقررات «القمة العربية – الإسلامية الاستثنائية» التي عقدت في الرياض. وما توقّعه البعض من بعض اللقاءات في العواصم القطرية والسعودية والمصرية والاردنية وفي مفاوضات الدوحة قد تَبخّر، على رغم من مشاركة رؤساء المخابرات المصرية والاسرائيلية والاميركية والمسؤولين القطريين الكبار لمجرد انسحاب اسرائيل من جانب واحد قبل ستة ايام. كما انّ ما انتظره آخرون من مواقف تصعيدية من القمة الخاصة بقادة مجلس التعاون الخليجي لم يصدر ايضاً.

 

وبناء على ما تقدم، يبدو جلياً انّ الحرب مستمرة وقد تشهد فصولا دموية خطيرة في ظل الفشل وعدم التوصّل الى اي سيناريو يضع حداً لما يجري. فالمفاوضات ما زالت معقدة وصعبة، والبحث عن مخارج سياسية تنهي الحرب ما زالت بعيدة المدى في انتظار ما يكسر «الستاتيكو السلبي» القائم على اكثر من مستوى دولي واقليمي وربما داخلي في صفوف كلا الطرفين. وعليه، فإنّ بحور الدم ما زالت مرشحة للجريان بقوة، في انتظار حدثٍ ما يُرجى أن لا يكون مأسوياً يقود العالم الى ساعات حرجة لِتتفتّق عبقرية البعض بالتوصّل الى حل مقبول يضع حداً لما يجري ويوفّر مصائب إضافية قد لا ينجو منها أحد، بمن فيهم لبنان.