IMLebanon

غزَّة والشر الذي لا بدَّ منه لمواجهة الخيارات شبه المستحيلة

 

بعد أن تخطت حرب الغضب والكراهية أسبوعها العاشر، يبدو بأنه لا تتوافر أية مخارج تؤدي الى اعلان وقف اطلاق النار في المستقبل المنظور، وذلك بعد سقوط مشروع القرار الذي تقدمت به دولة الامارات لمجلس الامن لدى انعقاده في جلسته الاخيرة التي دعا اليها امين عام الامم المتحدة، من خلال استعمال الولايات المتحدة لحق النقض.

يؤشر الموقفان الاسرائيلي والاميركي الى غياب لأي أفق سياسي لوقف العمليات العسكرية. وهذا يؤكد بأن الحرب هي مرشحة للاستمرار بالرغم من بلوغ عدد القتلى من الفلسطينيين ما يقارب عشرين ألفاً، وعدد المصابين والمفقودين ما يزيد عن خمسين الفاً، وفق ارقام وزارة الصحة الفلسطينية.

 

يطرح استمرار الحرب الجوية والبرية بضراوتها الراهنة تساؤلات ملحة حول مستقبل غزة السياسي، وحول مصير شعبها في ظل الشعارات المتعنتة التي ترفعها حكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف برئاسة نتانياهو؟ وما هي الخطة التي ستعتمدها اسرائيل بعد وقف العمليات العسكرية بعد اخفاق بتحقيق الاهداف التي اعلنها نتانياهو، والمحددة بالقضاء على حماس وتحرير الاسرى الموجودين لديها؟.

تقول الولايات المتحدة تكراراً بأن على اسرائيل الانسحاب من غزة بعد انتهاء العملية العسكرية، ويبدو بأن واشنطن وحلفاءها غير راغبين بالسماح لإسرائيل باحتلال غزة لفترة طويلة، ويفتح هذا المرفق الباب للتساؤل عن هوية ودور القوة التي ستحل مكان القوات الاسرائيلية، والتي ستتولى السلطة وتحقيق الاستقرار والامن بعد تفكيك سلطة حماس عسكرياً وحكومياً، وفي ظل عدم جهوزية السلطة في رام الله للاضطلاع بهذا الدور، وملء الفراغ الحاصل.

 

انطلاقاً من مبدأ بأنه سيكون لهذه الحرب نهاية في المستقبل المنظور، فإنه لا بد من توقع ان يواجه المجتمع الدولي مجموعة من الخيارات شبه المستحيلة، سواء في ما يعود لتقرير مستقبل السلطة في غزة او لجهة تحقيق الامن والاستقرار خلال فترة انتقالية، والى صيغة بلورة حل سياسي، واستكمال تهيئة السلطة الفلسطينية للاضطلاع بدورها السياسي والقانوني.

لن يكون من السهل اقناع اسرائيل بسحب قواتها من غزة، قبل ايجاد القوى اللازمة لفرض الامن والاستقرار، وطمأنة القيادة الاسرائيلية بأن عملية 7 تشرين لن تتكرر ثانية، وبأنه لن تتكرر الحروب التي وقعت منذ عام 2006 والتي آخرها الحرب الراهنة.

 

على صعيد آخر تخوض اسرائيل الحرب مع هدفين معلنين: الاول، تدمير حماس وازالتها من الوجود كتنظيم عسكري، وكسلطة حاكمة للقطاع، والثاني ايجاد الاسرى وتحريرهم، وهما هدفان صعبان، لن يكون من السهل ايجاد الاسرى وتحريرهم خلال الفترة المتاحة للعمليات الاسرائيلية، سيكون لفشل نتانياهو وحكومته في تحقيق اي من هذين الهدفين تساقطات سياسية ستؤدي لمزيد من التصلب في الموقف الاسرائيلي وبالتالي رفض انسحاب القوات الاسرائيلية من القطاع، قبل ايجاد الحلول والتطمينات للمعضلة الامنية الاسرائيلية المتنامية منذ سيطرة حماس على قطاع غزة منذ أكثر من عقد.

اما المعضلة الثانية الكبرى التي سيتركها عدم انسحاب القوات الاسرائيلية فتتعلق بالوضع الانساني المزري الذي يواجهه ما يزيد عن مليوني فلسطيني، مع كل ما يستلزم ذلك من عمليات تموينية، ورعاية للجرحى والمرضى، بالاضافة الى وضع وتنفيذ خطة لاعادة بناء الوحدات السكنية المدمرة واللازمة لإيواء ما يزيد عن 60 في المائة من السكان.

من الخيارات المطروحة الآن للحلول مكان القوات الاسرائيلية في غزة تشكيل قوة دولية قادرة على تحقيق متطلبات الامن الاسرائيلي، وعلى منع حماس من اعادة تشكيل قواتها العسكرية واستعادة السيطرة على القطاع. وفي ظل عدم رغبة القيادة المصرية للقبول بالمشاركة في تحمل مسؤولية ضبط اوضاع القطاع، فإن اي قوة دولية على غرار قوات «اليونيفل» في لبنان ستفشل بالتأكيد في تحقيق ديمومة  وفعالية الافق الذي ستطالب به اسرائيل لقاء انسحابها من القطاع من صعوبة لا بل استحالة تشكيل قوة فاعلة تحل مكان القوات الاسرائيلية سيدفع اسرائيل على ابقاء طوق عسكري قوي حول غزة وبما يسمح لها في التدخل لافشال كل محاولات حماس لاعادة تشكيل تنظيمها العسكري ضاربة بعرض الحائط كل القرارات الدولية او الاعتراضات السياسية من اي جهة جاءت، ولا بد في هذا السياق من التذكير بالجهود والمساعي الحميدة التي بذلتها مصر والسعودية لحل مشكلة السلطة في غزة والناتجة عن خلاف محمود عباس وقيادة حماس. وذلك من اجل توحيد الصف الفلسطيني وانهاء خيارات العمل العسكري المسلح الذي تضطلع به حماس والجهاد الاسلامي في غزة، وبالتالي فتح الباب من جديد امام البحث عن حل سياسي ودبلوماسي وفق مشروع ورؤية الدولتين في فلسطين.

هناك اعتقاد لدى بعض القيادات الغربية والعربية بأن عملية 7 تشرين والحرب على غزة قد اعادت فتح امكانية البحث عن تحقيق حل الدولتين، لكن في رأينا لا يمكن لهذا المشروع ان يسلك طريقه لمفاوضات جادة الا في حال توحّدت السلطة الفلسطينية، في ظل قيادة موثوقة وقادرة على السير قدماً في البحث عن مشروع شامل للسلام. ولذلك فإنه لا امل باعادة فتح مفاوضات فاعلة لتحقيق حل الدولتين، وبالتالي الاستفادة من هذه الفرصة الجديدة التي اتاحتها الحرب الاسرائيلية المدمرة على غزة، الا اذا توافرت للفلسطينيين قيادة جديدة صالحة وفاعلة وموحدة، وقادرة على فرض الامن والاستقرار على جميع الاراضي الفلسطينية لفترة ما قبل 5 حزيران 1967.

من اجل تجنب مواجهة الخيارات شبه المستحيلة التي سينتهي اليها الوضع الانساني والامني في غزة عندما تتوقف الحرب، فإن على الادارة الاميركية ان تهيِّىء الظروف والعدة اللازمتين لإيجاد افق سياسي للفلسطينيين، وخصوصاً لسكان غزة، وبالتالي الحؤول دون ولادة حالة من الاحباط العام، والتي تدفع جميع الاجيال المقبلة في غزة نحو مزيد من التطرف والعنف والكراهية، وبالتالي فتح الباب امام تجارب جديدة اخطر وادهى من تجربة 7 تشرين. يمكن في رأينا البحث عن خطة اميركية – عربية وبموافقة اسرائيلية لاعادة بناء افق سياسي لغزة ولكل الشعب الفلسطيني، ويمكن تقسيم هذه الخطة لمرحلتين:

المرحلة الاولى: خطة مؤقتة للتعامل مع الاوضاع التي خلقتها الحرب في قطاع غزة، سواءٌ على الصعيد الانساني او الامني، مع كل ما يستلزم ذلك من مساعدات انسانية وعناية صحية بالجرحى والمصابين، وتأمين الخدمات الضرورية من طبية وماء وكهرباء، ومساكن مؤقتة الىحين بدء مرحلة اعادة الاعمار.

المرحلة الثانية: اعادة وضع الخطط والآليات اللازمة لاعادة اطلاق عملية السلام من جديد، والعمل بالسرعة اللازمة على تحقيق حل الدولتين، وتطبيق مبادرة السلام العربية.

في النهاية يدرك الجميع مدى صعوبة اقناع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي بتقبُّل ومساندة الجهود الاميركية والعربية للسير قدماً بتنفيذ هذه الخطة بمرحلتيها. نفسها التي حاولت التوسع في مصادرة الاراضي وبناء المستعمرات. ولذلك لا بد من انتظار وحصول انتخابات جديدة في اسرائيل تؤدي الى تشكيل حكومة جديدة.