IMLebanon

الحرب الطاحنة في فلسطين: بين الإنحسار والإنفجار

 

 

 

بعد مرور ما يقارب المئة يوم على اندلاع الحرب الوجوديّة بل المصيريّة في فلسطين في السابع من تشرين الأوّل 2023 لم يزل مصير بل مآل هذه الحرب يتأرجح بين واقعين متضاربين: الإنحسار أو الإنفجار ولكل منهما نهجه وتأثيراته وتأثراته لدى شعوب الاقليم الشرق أوسطي والدول ذات التأثير في النظام العالمي. فلإسرائيل اعتباراتها وحساباتها ومطالبها وشروطها وهي أمور محكومة بأوضاعها الداخليّة وصراع القوى داخل التركيبة السياسيّة الاسرائيليّة بل الصهيونيّة، وللجانب العربي اعتباراته وحساباته ومطالبه وشروطه ايضاً وعلى رأسه منظمة «حماس» ببعدها الفلسطيني وموقعها العربي ومبادرتها الانقلابية في 7/10/2023 ضد الدولة العبرية، وهي مبادرة أدخلت «حزب الله» فريقاً فعلياً في الصراع ما جعل لبنان هدفاً مباشراً للاعتداءات الاسرائيلية على جنوبه وخلق بالتالي حالة استنفار ديمغرافي وأمني على طول خط الحدود بين البلدين.

 

أولاً : مرحلة الثأر

 

یمكن اعتبار ما جرى منذ اليوم الأول إلى الآن مرحلة ثأر مزدوج:

 

1 – ثأر فلسطيني عربي قامت به حركة «حماس» ضد الوجود الاسرائيلي في قطاع غزه، وتميّز هذا الثأر بالشدّة ضد جميع المتواجدين من الجانب الاسرائيلي في غلاف القطاع بما اعتبر بمثابة عملية إبادة جماعيّة بل عملية تطهير للمنطقة من الوجود الاسرائیلي. جنود ومقاتلون متواجدون تحوّلوا في فترة قصيرة إلى مجرّد قتلی أو مصابين أو مشردين أو معتقلين أو أسرى. ولقد جری کل ذلك ضمن خطة محكمة ومبرمجة فعّالة وسريعة أدهشت الإسرائيليين فوضعتهم في موقفٍ خطير وصعب تجاه «طوفان الأقصى».

 

2 – ثأر اسرائيلي حشدت له الدولة العبرية قواها الأمنية والنفسية والعسكرية وردّت بعملية «طوفان صهيون» «حائط البراق» على عملية طوفان الأقصى وفيها ألقت اسرائيل بكل ثقلها الفعلي والاستخباراتي والتكتيكي لضرب، ليس «حماس» فقط وجمهورها ومؤيديها من عرب فلسطين، في القطاع والضفة، بل لضرب مكونات الوجود العربي في القطاع خاصة وفلسطين عامة: الناس والبناء، وما فوق الأرض وما تحت الأرض. تدمير العمران وتدمير الانفاق والأخطر في كل ذلك، ومن كل ذلك هو اعتماد سياسة الإبادة الجماعية لعشرات آلاف الأشخاص الشهداء من أطفال ونساء، ومصابين ومهجّرين ومخفيّين ضائعين تحت ركام المنازل المدمّرة في أخطر وأسوأ عملية اقتلاع وقتل وتهجير طاولت ما يقارب المليوني شخص على امتداد القطاع من الشمال إلى الجنوب مع ما يرافق ذلك من حصار صحيّ بالأدوية ووجوديّ بالمأكولات وانقطاع المياه.

 

ولقد وضعت حكومة نتنياهو شرطين لوقف الحرب: الأول، شطب حركة «حماس» من المعادلة الفلسطينية بانهاء وجودها العسكري على الساحة الفلسطينية. والثاني، إعادة جميع الأسرى الإسرائيليين إلى الدولة العبرية. ومن دون تنفيذ هذين المطلبين فلا وقف للحرب، وهو ما ابلغته اسرائيل لكل الساعين إلى وقف القتال. في المقابل كانت حركة «حماس» ومعها «حزب الله» قد أعلنا أنه لا بحث في أي حلّ أو وقف للقتال إلا بتوقّف اسرائيل عن اعتداءاتها على الشعبين الفلسطيني واللبناني وعندها يكون المجال متاحاً للبحث في شروط التسوية ووقف اطلاق النار.

 

… إن الوضع الحالي للحرب، وحتى كتابة هذه السطور يتأرجح بين الشروط والشروط المضادة، ما يترك الباب مفتوحاً على مختلف الاحتمالات: احتمال الانحسار… أم احتمال الانفجار؟

 

ثانياً: مرحلة الفكر

 

قلنا مرحلة الفكر في مقابل مرحلة الثأر. ذلك أنّ الثأر هو حالة نفسيّة من القلق والعصبيّة تحكمها الحساسيّة والانفعالات العاطفيّة. أما الفكر فهو حالة يجري فيها تحكيم العقل والمنطق والحسابات الدقيقة مع ما فيها من حسنات وسيئات لدى اختيار المواقف الشخصية والعامة، في العائلة والجماعة والدولة. وطبيعيّ أن يكون خيار الحرب المستمرة خياراً خاطئاً ومكلفاً. وأنه لا بدّ من خيار يراعي الأوضاع العامة ومصالح الجهات المتواجهة آخذين بالاعتبار المبادئ الانسانية والدولية وميزان القوى ومصالح الجانبين من ضمن معادلة تفرضها وقائع الحرب على الأرض ومستلزمات التوافقات التاريخية والقرارات الدولية ذات الصلة بالحرب القائمة .

 

1 – في مراجعة لمواقف القوى الدولية من الصراع العربي الفلسطيني بنسخته الحالية، هناك شبه إجماع على ضرورة وقف الحرب ضمن شروط محددّة .

 

2 – إنّ الولايات المتحدة وفرنسا تضعان ثقلهما بارسال المسؤولين إلى المنطقة لمنع وصول الوضع إلى حالة الانفجار ولا سيما منع امتداد النار إلى الحدود اللبنانية الاسرائيلية وبالتالي امتدادها إلى منطقة الشرق الأوسط بما يهدّد السلام العالمي.

 

3 – لكن نقطة الضعف في هذا الخيار، هو أنّ المعنيين به، ولا سيما الصهيونية والمسلمين الأصوليين من جهة والشيعة من جهة ثانية يعتمدون في العمل السياسي الخياليّة وليس الواقعيّة. وفي وضع كهذا لا يمكن الاعتماد على خيارات ثابتة ومؤكدة كما لا يمكن إمتناع إحدى هذه القوى عن اتخاذ خيارات تفجيرية تعطيها ثقلاً شعبياً إذ تمثل قوة متطرّفة تميل نحوها عواطف الناس.

 

في الخلاصة، منذ الخامس عشر من شهر حزيران 2007 تسيطر حركة حماس على قطاع غزة، ولقد جمعت هذه الحركة بين عاملين مهمّين مَنَحاها قوة سياسية وعسكرية: الأول، كونها حركة أصولية إسلاميّة تلاقي تأييداً واهتماماً لدى الشارع الاسلامي السني. والثاني، أنها تعاونت مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، ومع كونها حركة سنيّة فقد أقامت علاقات جيدة مع الجمهورية الايرانية الشيعية وحصلت منها على الدعم الكامل سياسياً وعسكرياً ومادياً. مما جعلها تصبح قوة فاعلة داخل منظمة التحرير الفلسطينية لا بل تتحدى سلطة منظمة عرفات.

 

إلى أين ستصل بها الأمور في هذه المرحلة؟ والی أین تمضي ايران في دعمها لها كي تتابع القتال أو توقفه وهو ما ينعكس سلباً أم إيجاباً على موقف «حزب الله»؟ الجواب بين احتمالين: تحكيم العاطفة أم تحكيم الفكر؟ وعندها يتبين مصير الحرب في غزه: الإنحسار أو الانفجار !