IMLebanon

بين «مرّ» الدخول البري و«أمرِّ» الهزيمة: إسرائيل أسيرة التريّث

   

هل تتّجه إسرائيل فعلاً إلى تأخير أو تجميد أو إلغاء الدخول البرّي إلى قطاع غزة؟ إذا تحقّق واحد من تلك السيناريوات الثلاثة، فستكون تل أبيب كمَن أفشل نفسه مرّتين، وضاعف خسارته مرّات، ولعقود، جراء تراجع صورة الاقتدار الإسرائيلي أمام الأعداء والأصدقاء على السواء، وأمام الذات أيضاً. لذا، بدت فرضية الانكفاء عن الخيار البرّي، أقلّه حتى يوم أمس، شبه منتفية، وخصوصاً أنه من دون تفعيل هذا الخيار البري، على نحو جدّي لا استعراضي، ستكون إسرائيل قد أقرّت بانتصار الفلسطينيين عليها، فيما لم تستطع هي سوى تدفيعهم ثمن ذلك الانتصار.

 

والواقع أن معيار الهزيمة والانتصار في هذه الحرب يبدو بسيطاً جداً، ومتراوحاً بين حدّين، أدنى وأعلى: الأعلى، هو ما يجلّيه حديث بعض المسؤولين الإسرائيليين عن آمال «تغيير الشرق الأوسط»، بينما الأدنى هو «سحق حماس» عبر القتال البرّي المباشر، الأمر الذي يتحدّد على النحو الآتي:

– إضعاف «حماس» عسكرياً إلى حدّ يشابه أو يكاد يشابه إنهاء قدرتها العسكرية، عبر تحطيم قدراتها المادّية ما أمكن، وتحييد قدراتها البشرية، من أعلى إلى أسفل، ما أمكن أيضاً.

– إسقاط حكم «حماس» في غزة إلى الأبد، ومنع بقاء أيّ من العوامل اللاحقة التي قد تتيح للحركة إعادة بسط سيطرتها على القطاع.

 

– فرض ترتيبات عسكرية وأمنية لا تسمح تحت أيّ ظرف بالمساس بالأمن الإسرائيلي، الفردي والجماعي، انطلاقاً من قطاع غزة. وهي ترتيبات تتعلّق بقضم ما أمكن من القطاع عبر شريط ناري وأحزمة أمنية على طول الحدود، تقي الكيان حتى من التصورات الخيالية لما يمكن أن يلجأ إليه الفلسطينيون، مع «حماس» أو من دونها.

من دون تحقيق الأهداف المتقدّمة، يتعذّر على إسرائيل أن تقلب نتيجة الحرب، وهو ما يحتّم عليها اللجوء إلى الرافعة البرية، التي تبدو ضرورية كذلك للتوصّل إلى صفقة تبادل بأقلّ قدر من الأثمان، وبما لا يكون من شأنه تعويض الخسائر الفلسطينية التي لحقت بمعظمها إلى الآن بالمدنيين، من دون إلحاق ضرر معتدّ به بالمقاومين أو بقدراتهم العسكرية وغير العسكرية. وفي هذا الإطار، تجد إسرائيل نفسها معنيّة، بادئ بدء، بأن تُظهر لنفسها أوّلاً، وللأعداء والأصدقاء تالياً، أنها ما بعد 7 تشرين الأول هي غيرها ما كانت عليه قبل ذلك التاريخ، وتحديداً في ما يتعلّق بالتجرّؤ على الخيارات البرية، التي انكفأت عنها طويلاً، ولا تجد بدّاً اليوم من اللجوء إليها، ولو كلّفها الإقدام عليها أثماناً كبيرة لا يُعلم إلى أيّ مدى ستستطيع تحمّلها.

وبمعزل عن التقديرات بأن التأخير قد يكون مقدّمة للانكفاء، فالأكيد أن ثمّة حالة تردّد إسرائيلية (يبدو أنها لا تزال سارية على رغم إعلان وزير الحرب، يوآف غالانت، مساء أمس، أن المرحلة التالية من الحرب ستكون مشتركة من البحر والجوّ والبرّ) تفتح الباب أمام جملة تساؤلات؛ من بينها: هل فهمت إسرائيل أن سحق «حماس»، وإنْ عبر العملية البرية، مَهمّة خيالية، كما ورد على لسان وزير الأمن السابق، الذي شغل مناصب رفيعة في الجيش، ومن بينها رئاسة الأركان، موشيه يعلون، الذي قال «لا أعرف ما إن كانت هناك طريقة لدى إسرائيل لإسقاط حكم حماس. ليس هناك حلّ سحري، لا سياسي ولا عسكري»، مضيفاً إن «كلّ ما علينا فعله هو إيقاف هذه الحرب، إذ يكفي ما خسرناه إلى الآن»؟ أم أن تريّثها يعود إلى الخشية الأميركية من إمكانية التسبّب بمواجهة إقليمية، قد تضطرّ واشنطن إلى التدخّل فيها، بينما هي معنيّة «حتى العنق» بأن تدرأ سيناريوات كهذه، وأن تحاول قدر الإمكان منع أسبابها، التي للمفارقة من بينها الدخول البرّي إلى غزة؟

 

في كلّ الأحوال، إذا كان أحد السببَين هو الذي فرمل الاندفاعة الإسرائيلية، أو كلاهما، فستكون تل أبيب قد أطلقت النار على نفسها من جديد، أو سمحت للراعي بأن يطلق النار عليها، مع ما يحمله الأمر من تداعيات قاسية على أمن الدولة العبرية ودورها ومستقبلها. هكذا، ستكون فلسطين أمام انتصار مضاعف وممتدّ ومتجذّر في الساحات الفلسطينية وخارجها، وإن كانت أثمان هذا الانتصار كبيرة بلا شكّ.