IMLebanon

المعادلة: نِصفُ انتصار لإيران ونِصف هزيمة لإسرائيل!

 

لن توقِف إسرائيل عملياتها البرية الخاطفة في غزة حالياً، ولا عمليات التدمير الممنهجة. فهي مُجبرة على القيام بشيءٍ ما يحفظ الحد الأدنى من ماء الوجه، وما يمكن تثميره سياسياً. فبعد الحرب، ستنطلق المفاوضات، وهناك سيظهر مَن تكبّد أفدح الخسائر ومَن حقّق أكبر الأرباح.

تعمل إدارة الرئيس جو بايدن على إخراج بنيامين نتنياهو من عنق الزجاجة العالق فيه. فالرجل تراجع عن العملية البرية الساحقة، الكفيلة بتحويل غزة أرضاً محروقة، لكنه لم يعثر على البديل. والأرجح أنه يبحث اليوم عن تسوية سياسية تُحقق له بالمفاوضات ما عجز عن تحقيقه بالدبابات.

ووفقاً لما يتقاطع من معلومات وتحليلات، فإنّ قرار الدخول في معترك المفاوضات قد اتخذ، ووافق عليه الجميع في المبدأ، لكن التوقيت لم ينضج بعد.

فمع دخول المعارك أسبوعها الرابع، لم تعد إسرائيل تمتلك أي حظ لحسم الوضع بعملية برية. والمعوقات باتت معروفة، من حجم الدم الذي يُتوقع أن يُراق في هذه العملية، إلى مصير الـ239 رهينة الذين يحمل نصفهم تقريباً جنسيات أجنبية، إلى المعوقات والمطبّات العسكرية العملانية، خصوصاً في ظل شبكة الأنفاق البالغة الطول، والمأهولة بالمقاتلين – وربما بالمدنيين – والتي يصعب تدميرها من دون استخدام قنابل وصواريخ محظورة دولياً، تسمح بتدمير وخنق كل ما هو تحت الأرض وفوقها. وهذا السيناريو لا يمكن لأحد في العالم قبوله.

ولكن، في مقابل هذا العجز العسكري الإسرائيلي، لا يمكن لـ»حماس»- ولإيران من خلفها- أن تعلن الانتصار الكامل والنهائي، ولو أنها حققت إنجازاً هائلاً وتُواصِل تسجيل النقاط. وفي أي حال، إن مجرد نجاح «حماس» في وضع إسرائيل في موقع العاجز هو إنجاز تاريخي للحركة وإيران.

ولكن، هذا الإنجاز كلّف أهل غزة حتى اليوم أكثر من 8 آلاف قتيل ومقدار الضعفين من الجرحى ودماراً هائلاً للمدن والقرى، والنزف مستمر يومياً، وسط ظروف معيشية واجتماعية تزداد تدهوراً في شكل دراماتيكي، ما يُنذر بشبه إبادة للغزيّين إذا طالت المعارك أسابيع أو شهوراً أخرى.

ولكن، وعلى رغم الإنجاز العسكري والصمود، لا تستطيع إيران اتخاذ قرار بإنهاء المعارك في غزة. ومن المفارقات أن إيران كانت صاحبة المبادرة إلى إشعال النار، لكنّ إطفاءها هو في يد إسرائيل في الدرجة الأولى.
في الخلاصة، طرفا المعركة عاجزان عن الحسم عسكرياً. وهذا تماماً ما يريد الغربيون استثماره لإنهاء الأزمة.
ويرى بعض المتابعين أن الولايات المتحدة وحلفاءها يمارسون لعبة الانتظار حتى يصاب المتقاتلون جميعاً بالإنهاك، لكي يطلبوا منهم الجلوس إلى طاولة المفاوضات والبحث عن تسوية.

لقد قطعت إدارة بايدن وعداً لنتنياهو بتحقيق هدفين سياسيين قبل إيقاف الحرب:
1 – تمكين إسرائيل من استعادة هيبتها العسكرية، كحليف مميز للولايات المتحدة. لكن واشنطن لا تريد أن يتحقق ذلك باجتياح بري باهِظ الأكلاف إنسانياً في غزة، بل بتسديد ضربات عسكرية مركزة ضد أهداف «حماس»، ما يشل حراكها تماماً ويعيد إلى إسرائيل هيبتها العسكرية المفقودة.
2 – فتح باب المفاوضات لتسوية سياسية تحقق أهداف إسرائيل، ضمن المشروع الكبير المسمى «صفقة القرن»، والذي يلقى بدعم أميركي. وفي هذا المشروع تجري عملية «ترانسفير» من غزة إلى سيناء حيث يُراد أن ينشأ شبه دولة فلسطينية، على أن يقدم الإسرائيليون إلى مصر قطعة من أرض النقب، تعويضاً لها عن البقعة التي منحتها للفلسطينيين في سيناء.

يعتبر الإسرائيليون أنّ وفاء واشنطن بهذين التعهدين من شأنه أن يحقق لهم الأهداف التي يتوخّونها، فلا يبقى هناك مبرر لاستمرار القتال في غزة. لكن مشكلتهم تكمن أولاً في أنّ الضربات العسكرية الخاطفة وعمليات التدمير التي ينفذونها لا تتكفل بإنهاء «حماس» فيما هي تتسبّب بمجازر بين المدنيين الفلسطينيين. وتكمن ثانياً في أن المصريين والعرب فاجأوا الغربيين برفضهم الشديد لمشروع «الترانسفير».

يمكن القول إن إيران حققت انتصاراً لم يكتمل حتى الآن، أو نصف انتصار، ولذلك هي لا تستطيع تثمير ما فعلته عسكرياً لتحقيق ما يكفي من مكاسب سياسية. وفي المقابل، تكبدت إسرائيل نصف هزيمة عسكرية. لذلك، هي أيضاً لا تستطيع الانطلاق من موقع قوة لتحقيق إنجاز سياسي.
وهذا يعني أن الطرفين ما زالا في حاجة إلى استمرار المعارك، لعل نارها تتكفّل بإنضاج الظروف السياسية. لكنّ النار المندلعة في غزة حالياً ستبقى تحت سقف معين، إلّا انّ مقدار الخسائر سيكون هائلاً.

ولعل أهم إنجاز سياسي تحقق حتى اليوم هو أنّ أحداً لن يكون قادراً على حذف إيران من معادلة التفاوض حول مصير الشعب الفلسطيني، للمرة الأولى في تاريخ الصراع.

فعشية عملية 7 تشرين الأول، كان الجميع منخرطاً في ورشة التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. وبعد العملية، صارَ أمر التطبيع مرهوناً بإيران في الدرجة الأولى.
ولكن، متى تنضج ظروف التفاوض السياسي؟ وأيّ مقدار من الضحايا والخسائر سيكون كافياً لإطلاق مسار التسوية؟ على الأرجح، المدافع هي التي ستتكفل بالإجابة.