IMLebanon

حرب غزة ونهاية العصر الإسرائيلي

 

خمسة وعشرون يوماً مضت على الحرب الإسرائيلية على غزة، خمسة وعشرون يوماً من القصف المتواصل وآلة القتل الإسرائيلية تفتك بالشعب الفلسطيني كل الشعب الفلسطيني من غزة إلى الضفة وصولاً إلى شمالي فلسطين المحتلة، خمسة وعشرون يوماً من القتل والدمار والمجازر الدموية التي لم توفر أحداً من المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ وبيوت العبادة من جوامع وكنائس ومؤسسات تربوية واستشفائية، فتم تدمير المستشفيات بعد أن تم إيقافها قسرياً بقطع المياه والكهرباء والطاقة عنها، وفي حصيلة أولوية تم إحصاء أكثر من 8000 شهيد فلسطيني نصفهم من الأطفال.

هيرودوس القرن العشرين

في خضم هذه المآسي والمجازر الدموية، يبدو حال قادة إسرائيل كحال هيرودوس الذي كان يطارد كل أطفال أورشليم ليقتلهم منذ أكثر من ألفين وثلاثمائة عام، وذلك مخافة أن يولد المخلص، واليوم لا يتوانون عن قتل أطفال غزة بحجة أنهم سيصبحون إرهابيين عندما يكبرون. كل ذلك يحدث والعالم أبكم اصم وأعمى لا يريد أن يرى إلّا ما يريد أن يراه، فينبري رؤساء الحكومات الغربية بتكذيب ما تنقله مباشرة على الهواء شبكات التلفزة التي لم تزل تعمل في غزة وذلك بالرغم من حالة اللاأمن وحالة القصف التي تتعرض لها كل مناطق القطاع، وبالرغم من قطع كل وسائل الاتصال من هاتف وإنترنت وكهرباء، وكأن المطلوب هو عدم نقل الصور البشعة لهول المجازر التي يرتكبها العدو والتي لم يرَ العالم مثيلاً لها في كل الحروب الماضية، وكأن الإسرائيلي يريد استذكار كل ما عاناه من هول المحرقة التي حلّت باليهود على يد النازية، فيطبق على الفلسطينيين كل أنواع التعذيب والدمار والحصار وكأن الفلسطيني هو المسؤول عن معاناة شعبه.

الاحتلال والإرهاب

إن ما حدث في السابع من أكتوبر ترافق مع سقوط عدد كبير من القتلى ولكن وصم الفلسطينيين بالإرهابيين صفة لا يصح استعمالها، فالفلسطيني يعيش في كنف الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي فإن المُحتل هو المسؤول عن سلامة المحتلين وليس العكس. فهل يصح أن توصف المقاومة الفرنسية التي كانت تقاتل النازية الألمانية التي كانت تحتل فرنسا بالإرهاب، وهنا كل الفرق بين المقاومة والإرهاب. إن إسرائيل التي لم تحترم كل مواثيق الأمم المتحدة وقراراتها بشأن الصراع العربي – الإسرائيلي، لا سيما القرار الرقم 181 بإنشاء الدولتين الذي أقرّته الأمم المتحدة في تشرين الثاني من العام 1947 والذي قضى بإنشاء دولة فلسطينية وعاصمتها القدس ودولة إسرائيلية، هذا القرار الذي تستمر إسرائيل برفضه وضرب الحائط بكل مفاعيله قد أدّى إلى تفاقم الصراع بين الفلسطينيين والعدو الإسرائيلي.

المكاسب والإخفاقات

يتبيّن لنا أنه بعد كل هذه الحرب المدمرة وبالرغم من إجازة القتل التي حصلت عليها إسرائيل من الدول الغربية، وبالرغم من الدعم العسكري اللامتناهي من الولايات المتحدة وبالرغم من عدم وضع مهلة زمنية لانتهاء المعارك لم تستطع إسرائيل من تحقيق أي مكاسب. أما المكسب الوحيد الذي حققه العدو فهو الحصول على أكبر لقب من الإجرام في حق المدنيين العزّل، حتى أن الهدف الذي وضعه نتنياهو وحكومته وهو القضاء على حماس لم يتم تحقيقه، وإن أمد تحقيقه ليس في المدى المنظور إذا بقيت الأمور على ما هي عليه ولم يتم اللجوء إلى استعمال الأسلحة ذات الدمار الشامل ومنها السلاح النووي. إن هدف إسرائيل لم يقم فقط على إنهاء حماس، وإلّا فما هو سبب قصف الضفة الغربية والاعتقالات في بيت لحم وأورشليم والقدس، هذه المناطق التي تخضع بالكامل للسلطة الفلسطينية والتي لا وجود لحركة حماس فيها.

أما المكسب الوحيد الذي تحقق فهو ما حققته حماس في السابع من أكتوبر وذلك بالرغم من آلة الدعاية الغربية التي تريد تحويل الانتصار إلى عملية إرهابية بالمعنى الضيق. إن ما تقوم به إسرائيل من «حرب» على حماس زاد من التفاف الفلسطينيين كل الفلسطينيين حولها، وكان لافتاً ما صرح به Dominique De Villepin رئيس وزراء فرنسا الأسبق الذي قال أنهم خُدعوا بموقف الدول العربية والإسلامية من فلسطين والصراع العربي – الإسرائيلي، فقد تبيّن له أن قضية فلسطين هي القضية الكبرى والهم الأساسي للدول العربية والإسلامية وانه لا صحة للمعلومات حول تأييد هذه الدول لإسرائيل والوقوف ضد حماس.

 

لقد آن الأوان لوعي الغرب والعودة للوقوف إلى جانب الحق والمطالبة بالحل العادل للصراع العربي – الإسرائيلي، وضرورة العمل على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

* كاتب سياسي