IMLebanon

العملية العسكرية الاسرائيلية متهورة… ولكن

 

 

اشتعلت غزة من جديد عند تقاطعات فلسطينية واسرائيلية واقليمية عديدة. والعملية العسكرية الاسرائيلية المفاجئة كان واضحاً انّها أتت في مرحلة الاستعداد للانتخابات الاسرائيلية الجديدة، وهو ما يجدد التأكيد على الواقع السياسي الداخلي المضطرب وغير المستقر.

والاستنتاج الاولي، انّ العملية الاسرائيلية المفاجئة جاءت للهرب من المشاكل السياسية الداخلية الحادة، ما يعني انّها تفتقد إلى التخطيط البارد ويجعلها اقرب إلى ان يغلب عليها سوء التقدير.

 

والعملية التي حدّدت الحكومة مدّتها الزمنية بالاسبوع، تكشف أولى نقاط ضعفها. فالجيش الاسرائيلي لا يستطيع ان يتورط في عملية طويلة كي لا يتأثر الواقع الاقتصادي كثيراً، أضف إلى ذلك، انعكاساتها السلبية على القطاع السياحي في عزّ الصيف.

 

والأهم لعدم فتح الباب أمام اضطرار حركة «حماس» للانخراط في العمليات العسكرية. ولهذا السبب تحديداً سعت القيادة العسكرية الاسرائيلية لحظة انطلاق العملية لتحييد حركة «حماس». لكن الوقت سيعمل لصالح دخول «حماس» إلى الميدان في حال طال.

 

هو سوء تقدير القيادة الاسرائيلية. فرئيس الاركان افيف كوخافي يقترب من فترة نهاية خدمته، وكما كل رئيس أركان، فهو يتطلع لسجل جيد يسمح له بالانتقال إلى العمل السياسي، ما يعني انّه يريد انتصارات عسكرية، وفي الوقت نفسه عليه محاذرة الانزلاق في حرب طويلة، لتصبح المسألة بمثابة الوحول التي يصعب الخروج منها.

 

ووزير الدفاع كما رئيس حكومته، يستعدان لانتخابات صعبة وغير مضمونة في مواجهة زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، الذي يبني خطابه على انّه الوحيد القادر على تأمين حماية الاسرائيليين، ويتطلع للعودة الى رئاسة الحكومة، وفي نظراته نية الثأر من الذين أخرجوه من السلطة.

 

لكن ثمة حسابات اخرى دفعت الحكومة الاسرائيلية لاستعجال حصول عمليتها المفاجئة. فتوقيت اطلاق العملية تزامن مع وجود امين عام «حركة الجهاد الاسلامي» زياد النخالة في طهران، وثمة رابط واضح بين طلقة الانطلاق ومكان وجود النخالة.

 

وفي المقابل، لم تتردّد طهران في الكشف عن وجود مسؤول «الجهاد الاسلامي» عندها، وهو بمثابة اعلان ايران بأنّها حاضرة للتحدّي.

 

البعض رأى في العملية تصفية حسابات اسرائيلية – ايرانية على ساحة غزة، ولكن هنالك جانباً آخر لا بدّ ان تكون اسرائيل أخذته في حساباتها.

 

فبعد اشهر طويلة من الجمود لا بل من المناخ السلبي حيال المفاوضات الاميركية – الايرانية حول الملف النووي، عادت هذه المفاوضات إلى التحرك في فيينا، إثر وساطة اوروبية، مع الاضافة بأنّ هامش الحركة ضاق كثيراً بعد انتهاء المفاوضات التقنية واقتصار المراوحة على مسألة استمرار العقوبات على «فيلق القدس» وضمان استمرار الاتفاق لاحقاً.

 

وقيل بأنّ الاقتراح الاوروبي نجح في إيجاد بعض الاجوبة المطلوبة، اضف إلى ذلك، انّ ادارة بايدن التي خرجت منزعجة من نتائج زيارة الرئيس الاميركي إلى السعودية، خصوصاً في مسألة عدم التجاوب بشكل كافٍ في رفع مستوى انتاج النفط السعودي والاماراتي، باتت تجد مصلحة ملحّة في التوقيع على الاتفاق وفتح الابواب امام تدفق النفط الايراني إلى الاسواق العالمية لإعادة تهدئة الاسعار.

 

ولا شك انّ هنالك خشية من ان تنعكس العملية العسكرية سلباً على مناخ فيينا في حال توسعت دائرة القتال. وهذا ما يفسّر ردود الفعل الخليجية الباردة على العملية العسكرية الاسرائيلية. وقد لا يكون بعيداً من هذا التقاطع الاسرائيلي – الخليجي، التبرير الذي جرى الترويج له، بأنّ العملية العسكرية تشكّل متنفساً للاحتقان الاسرائيلي- الايراني في المنطقة، وساحة مواجهة بديلة من الساحتين السورية واللبنانية.

 

وثمة جانب آخر يشكّل تقاطعاً اسرائيلياً – فلسطينياً لهذه العملية العسكرية ضد حركة «الجهاد الاسلامي»، والمقصود هنا ليس غزة بل الضفة الغربية.

 

ففي الحسابات الفلسطينية، فإنّ «الجهاد الاسلامي» وعلى الرغم من قوته العسكرية المحدودة مقارنة بقوة «حماس»، الّا انّه يُعتبر بأنّه يلوذ بالكامل للتأثير الايراني، بخلاف حركة «حماس» التي لها امتداداتها القوية بقطر وتركيا وبتواصل لا بأس به مع مصر، إضافة الى علاقات ترتكز على المصلحة مع ايران.

 

لذلك مثلاً وقفت حركة «حماس» ضد النظام السوري وعملت على تجيير بعض قدراتها العسكرية لصالح التنظيمات التي قاتلت النظام. لكن السياسة المرنة التي اشتهرت بها ايران حرصت على إبقاء قنوات التواصل مع قيادة «حماس»، والسعي لإعادة فتح قنوات التواصل بينها وبين دمشق.

 

لذلك وبسبب الولاء الصافي لحركة «الجهاد الاسلامي» باتجاه ايران، حُكي عن السعي لتعزيز حجمها في الضفة الغربية على ابواب متغيّرات فلسطينية دقيقة.

 

فالوضع الصحي للرئيس الفلسطيني اصبح دقيقاً، وهو الذي بات على مشارف الـ 88 عاماً. وغياب محمود عباس من دون وجود وريث واضح له، قد يدفع إلى اندلاع صراع بين اجنحة السلطة الفلسطينية وحركة «فتح». وهو ما سيعني خلق فرصة لحركة «الجهاد الاسلامي» مع امكانيات واضحة للاستحواذ على مساحة واسعة في الضفة الغربية. واستطراداً، منح ايران ساحة ارتكاز اساسية عند الحدود مع الاردن وقريبة من جنوب سوريا.

 

ومن هنا يمكن تفسير برودة حركة «حماس»، وايضاً الاغتيالات بحق الكوادر التنظيمية المهمّة في «الجهاد الاسلامي»، إضافة الى الاعتقالات التي طالت كوادر وناشطين في الضفة الغربية. فاسرائيل تعمل على إنشاء منطقة حرة مشتركة مع الاردن عند الحدود المشتركة، لترسيخ واقع جديد.

 

ومن المنطقي الاعتقاد بأنّ «طموح» ايران من خلال حركة «الجهاد الاسلامي» لا يُفرح حركة «حماس» كثيراً، ولو انّ خطوط التواصل والإمداد بينها وبين ايران مفتوحة على مصراعيها.

 

تبقى نقطة اخيرة، إنّ التصعيد الاسرائيلي في غزة سيشكّل دخاناً قادراً على تمرير التفاهمات حيال الاتفاق النفطي بين لبنان واسرائيل، والذي تسعى اليه واشنطن من خلال موفدها آموس هوكشتين.

 

وبخلاف الاستنتاجات المتسرّعة للبعض، فإنّ النار المتصاعدة من غزة ممكن ان تساهم في إنجاز الاتفاق حول الغاز وفق المبادرة الاميركية.

 

لكن هذا لا يبدّد بأنّ العملية الاسرائيلية محفوفة بالمخاطر وغير مشبعة بالدرس العميق، وأنّ تطورها وتصاعدها وخروجها عن السيطرة الاسرائيلية مسألة ممكنة.

 

لذلك، آثر رئيس الوزراء الاسرائيلي على اعلان تحقيق أهداف العملية وبالتالي وقفها، على أمل ألّا يتورّط بما هو أبعد وأخطر وغير محسوب.