IMLebanon

باسيل وانقلاب السحر على الساحر

 

 

لا توحي كثرة العناوين التي أثارها النائب جبران باسيل سوى بالتوتر الشديد وضياع البوصلة. لم يسبق للسياسي الشبِق أن شعر من قبل أنه خالي الوفاض من أيّة قدرة على تحريك الركود السياسي الذي ابتلع العهد في أكثر الأوقات حراجةً. لقد فات باسيل الذي اعتاد التصفيق من جمهوره وأحياناً من حلفائه أنّ مفاعيل السنتين المنصرمتين قد تجاوزت بأشواط مخيّلته العاجزة عن ابتكار أي جديد.أجل، فالعبث السياسي الذي طالما امتهنه باسيل وتلذّذ باستخدامه في مواجهة خصومه أسقط الدولة ومؤسساتها وأفقده «عدّة الشغل» التي طالما طوّعها وأعاد تشكيلها وفقاً لمصالحه السياسية والمادية وخلافاً للقانون. لم يعد في خزائن الدولة ما يغري وما يستحق العناء وبيع الذمم.غزا القنوط الشعب اللبناني بكافة شرائحه وغابت العناوين الجاذبة التي طالما أججت البريق في عيون الطامعين واستنفرت أفكارهم فآثروا السقوط في مستنقع المال السياسي. كذلك فإنّ الحلفاء،على أبواب الإستحقاقات المحليّة والإقليمية، بصدّد إجراء حسابات الربح والخسارة والتخلص من أحمال إضافيةأرهقتهم،وربما يستعدون لمقايضات حيث يستدعي الموقف السياسي ذلك.

 

فشل باسيل في إنقاذ اندفاعة الرئيس ميشال عون في دعوته لطاولة حوار حول الاستراتيجية الدفاعية واللامركزية الإدارية الموسّعة وخطّة التعافي الإقتصادي، وهو ربما اعتقد أنّ موقعه كرئيس لتكتل نيابي كبير يسمح له بهامش من الحرية في طرح التساؤلات وتوجيه اللوم والإتهامات الى الخصوم والحلفاء على حدٍّ سواء بما لا يسمح به موقع الرئاسة.بدا باسيل في إطلالته كورقة في مهب الريح لدرجة استحال معها تحديد الجهة التي أراد مخاطبتها.إنّ محاولة إقناع اللبنانيين بنبل مقاصد تياره لدى توقيع تفاهم مار مخايل – الذي أوصل العماد عون الى سدّة الرئاسة- لا تتفق مع محاولة التنصّل منه، وكأنه لا يدري أنّ التحالفات المجانية لا مكان لها في السياسة. فهل تكفي الشكوى من الإتّفاق مع فريق مسلّح بعد أن دمرت مفاعيله الحياة الوطنية وعلاقات لبنان بالدول العربية وبالمجتمع الدولي ومنعت تطبيق القرارات الدولية؟وماذا تعني الدعوة لتطوير الإتّفاق الذي يحتاج حكماً لمزيد من التنازلات التي لم يعدْ يقوى التيار على تقديمها؟ فهل المطلوب أن تتحوّل ورقة مارمخايل إلى استراتيجية دفاعية على طاولة حوار لإنقاذ رئيس الجمهورية وإلقاء إخفاقاته السياسية وعُقم خياراته على الآخرين؟

 

إنّ كلّ العناوين السياسية التي أثارها باسيل في خضم نقمته على الرئيس نبيه بري وحزب الله من عرقلة إجتماع الحكومة وتحويل الميثاقية الى فيتو مذهبي ومنع رئيس الجمهورية من ممارسة صلاحياته، إنما هي نتاج تجاوز الدستور وتكريس جملة من الأعراف شاءها رئيس الجمهورية منذ بداية عهده لإسقاط صلاحيات رئيس الحكومة التي كرّسها اتّفاق الطائف. يدرك جبران باسيل وحلفاؤه أنهم مسؤولون عن تعطيل كلّ الحكومات،وأنّ الميثاقية فقدت معناها في ظلّ حكومات الوحدة الوطنية المزعومة التي فرضت بقوة السلاح خلافاً للدستور، وأنّ صلاحيات رئيس الجمهورية ليست مستمدة من إخضاع المؤسسات لإرادته، بل بما يسهم في استمرار المؤسسات وضمان استقلاليتها، وعدم إخضاعها لسلطة الطوائف بحجة التوافقية والعيش المشترك.

 

ولكن السؤال المشروع الذي يطغي على مضمون المؤتمر هو: لماذا زج باسيل بواقعة الطيونة وأرفقها بإسم الدكتور سمير جعجع،وضمن أي سياق منطقي يمكن فهم إعلان باسيل عن رغبته في زيارة سوريا قبل الإنتخابات؟

 

لقد أراد باسيل توجيه رسالتين لحزب الله علهما تنفعان في استعادته صدر البيت:

 

الرسالة الأولى،هي في استحضار اتّفاق مار مخايل وزجّه في مقارنة قسرية مع واقعة الطيونة بالرغم من الفاصل الزمني وعدم توفر عناصر التمايز بينهما، وكأنّ ما جرى في الطيونة ليس شكلاً من أشكال الإعتداء الواضح على المواطنين، ونتيجة حتميّة لهيمنة السلاح الذي رعاه الإتّفاق وتطويقاً للقضاء ومنعه من ممارسة استقلاليته. وضع باسيل أمام حليفه نموذجين من القادة المسيحيين، الأول الذي اختبره حزب الله، وهو المتوثّب لتوقيع الإتفاقات ومقايضة السيادة بفتات السلطة والمال السياسي وتطويق القضاء، والثاني وهو النموذج الذي لا يمكن تطويعه والقادر على المواجهة وألصقه بالدكتور سمير جعجع الذي اتهمه «بأنه أداة للخارج مرة لإسرائيل ومرة أخرى للولايات المتّحدة» محذّراً من الخطأ في الحسابات والسماح بتغيير المعادلة القائمة.

 

والرسالة الثانية وهي الإعلان عن الرغبة في زيارة سوريا قبل الإنتخابات النيابية، وفي هذا إشارة واضحة لحزب الله بأنّ بقاء جبران باسيل في صلب المعادلة السياسية لا يعود فقط لقرار حزب الله، فهو يتكىء على دعم النظام السوري وهو لن يتوانى عن طلب حمايته متى احتاج لها، وبمعنى آخر إسقاط كلّ المحرمات في سبيل الإمساك بالسلطة.

 

يدرك باسيل انّ كلّ الصخب السياسي الذي حاول إثارته ليس سوى زوبعة في فنجان حليفه حزب الله، ويدرك حزب الله أنّ باسيل يحاول تلمّس ما تبقّى من رصيد اتّفاق مار مخايل واستشراف مستقبله السياسي.ويبدو مبكراً جداً توقّع نقاط التقاطع بين ساسة الأرياف وخيارات حزب الله التي تتحكم بها طهران.ففي زمن العرافين الذين تسخّر لهم الشاشات ويعيش اللبنانيون على هدى نبوغهم في اختيار العبارات التي تصح في كلّ زمان ومكان، محاولين مطابقتها وتفصيلها على قياس ما يجري حولهم، قد ينضم الوزير جبران باسيل إلى عالم التنجيم السياسي ليثبت حتميّة انقلاب السحر على الساحر.

 

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات