IMLebanon

لا تتذاكَ ولا تتباكَ

 

 

مشكلة “غيبون، الملك العادل والطيب” في مسرحية “ناطورة المفاتيح”، للأخوين رحباني، ليست في الإغتيال السياسي له. وليست في إدّعائه أنّ مؤامرة تستهدفه عندما قرّر الشعب أن يهجر المملكة، ويتركه ملكاً بلا شعب. مشكلته ببساطة، أنّه غير محبوب في الشارع، ليس فقط جرّاء نهبه المُمَنهج لخيرات هذا الشعب وصولاً الى ضريبة “حصة الملك”، لكنّ لأنّه لا يزال يتباكى ويتذاكى على هذا الشارع، بالرغم من أنّه لا يُريد أن يعترف بأن العلّة في الكاريزما المفقودة لديه، والمتوفرة لدى زعماء يُقرّ بفعاليتها خصومهم قبل مُريديهم.

 

لا يفهم “غيبون” أنّ الشارع له سرّه، ولا يتفاعل سلباً أو إيجاباً الا مع “الكاريزما” الطالعة من مواصفات تمنح صاحبها سحراً.

 

لا يفهم أن التباكي المُستديم لا يصنع كاريزما.

 

ولا يصنع شعبية سلب الشارع الموجوع شعاراته، ومن ثم اتّهامه بالتآمر عليه. ولا يزيد من رصيده تخيير المقاومة بين المملكة وتهريب الدولارات، والطحين والوقود الى سوريا. فالشارع أذكى من هذا التذاكي. والتجربة بيّنت أنه لا يتجاوز توزيع الأدوار، تُسامح من فبركه وفرضه برفع السقف المتاح له من حين الى آخر، ليبقى ويقوى بهدف الإستفادة من وجوده. فهو يعرف جيداً عجزه عن تحقيق أي حيثية من دون دعم الحليف القوي، الذي يفرضه على الآخرين فرضاً وبالإكراه.

 

صحيح أن زواج “غيبون الملك”، بابنة الملك “صخر الأول” توَّجَهُ “قاشوش الديناري”، لكنّه لم يشفع له ليُصبح معبود الجماهير. هو لا يستطيع النزول الى الشارع بعفوية ومن دون ترتيبات وتجميع بعض “الزقّيفة”.. ليس لأنّ هناك من يُريد اغتياله، ولكن، لأنّ هناك من سيرفضه ويشتمه ويطرده.

 

المشكلة في أنّ الشارع لا يُحبّ شخصية “غيبون” الذي يستجدي العطف بعبارة “عَمْ بِتْوَفَّى”. حتى شارع الحُلفاء المُتمسّكين بوجود تياره غطاءً لزوم المرحلة، ينبذه ضِمناً غالب الأحيان، وعلناً عندما يرتفع منسوب التذاكي والتباكي.

 

يُذّكرونه بأن من جاء بالإكراه وبقانون انتخابي على قياسه، لن يصل الى القلوب. وأن أهمّ إنجازاته يُجسّدها المطرودون والمنشقّون لأنّهم، إمّا يُشكّلون خطراً على طموحه، أو لأنّهم صارحوا أنفسهم بخيانته للفكرة التي جمعتهم.

 

على فكرة، اكبر نسبة منشقين ومبعدين لأي من الأحزاب اللبنانية سجلها حزب “غيبون الملك”. ولا بد ان يأتي يوم ويتشكلون ضده لاستعادة ما يؤمنون بأنه خطهم الوطني الصحيح.

 

فـ”الشمس طالعة والناس قاشعة” لهذا الفيض من غياب المصداقية والإستئثار بالقرار، والطعن من الخلف، والإنقلاب على التحالفات إذا ما عرقلت الصفقات.

 

لا بدّ سيأتي يوم، ويقول له من تسلّق على ظهورهم: “يا عزيزي لا أحد يتآمر عليك، ولا صحّة لإدّعائك أنّ النيل من ارتكاباتك يُنهي الكيان السياسي الذي تُصادره، أو يُنهي الوطن أو يُنهي الوجود، الذي تقصد فيه الوجود المسيحي دون سواه لشدّ العصب”.

 

فلا تتباكَ او تتذاكَ يا “غيبون الملك”. ولا تنادِ: “يـا اصْحــاب الـِبْيـــُوت المَلـِك جايــي يـْزورْكـُـن.. عَم بـيْدِقّ ابْوابـكـُن، المَلـِك عـَم يــِنـْدَهـِلـْكـُن.. الـِبْيوت عـَم تــِنـْدَهـِلـْكـُن يـا اصْحــاب الـِبْيـُــوت”..

 

فأنت لم تترك صوتاً يتجاوب معك. ‎