IMLebanon

كيف سينزل باسيل عن الشجرة؟

 

ليس هناك أدنى شك في أنّ مسألة انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي تحكمها معادلة واقعية واحدة: «بري أو لا أحد»، بمعزل عن حجم التأييد له أو الرفض داخل المجلس النيابي الجديد. فالوضعية الشيعية داخل المجلس «خاصة جداً»، ونادر حصول مثيل لها في أي برلمان في العالم، وتتمثَّل في أنّ نواب الطائفة الـ27 جميعاً ينتمون إلى تكتل واحد يرئسه الرئيس نبيه بري والسيّد حسن نصرالله. إذاً، من أين يؤتى بنائبٍ شيعي «مختلف» لترشيحه؟

«تقنياً»، يبدو تغيير بري متعذّراً. وافتراضاً، لو صودف أنّ «التكتل» الشيعي كان يضمّ 22 نائباً أو 23 فقط، وتمّ خرق تمثيل الطائفة ببضعة نواب موزَّعين على قوى «التغيير» أو 14 آذار أو «التيار الوطني الحرّ» أو سواه، فهذه القوى نفسها كانت ستتنافس على ترشيح ممثليها، فيما سيرفع الثنائي لواء «الميثاقية» التي تقضي بتمثيل كل طائفة بالأقوى داخلها. وهذا مطلب القادة المسيحيين أيضاً.

 

في التركيبة السياسية القائمة حالياً، يمكن اختيار ماروني رئيساً للجمهورية، من المجلس أو من خارجه، من «القوات اللبنانية» أو «التيار» أو «المردة» أو حتى «التغييريين» و»المستقلين»، لأنّ القوى المسيحية لا تشكّل تكتلاً واحداً.

 

وكذلك، بعد خروج الرئيس سعد الحريري من اللعبة السياسية، بات ممكناً اختيار أي سنّي رئيساً للحكومة، لمجرّد أن يحظى بالتوافق والتغطية من القوى غير السنّية.

 

لكن هذا الأمر ليس وارداً في ما يتعلق بالتمثيل الشيعي. وإلى حدّ ما، ليس وارداً في ما يتعلّق بالتمثيل الدرزي، إذ استطاع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أن يضمن هذا التمثيل بتحالفات انتخابية عقدها «من تحت الطاولة» في الانتخابات الأخيرة، سعياً إلى توفير مستقبل «أكثر أماناً» لتيمور. ولذلك، سيبقى جنبلاط متحالفاً مع بري، ولو اختلف مع الآخرين جميعاً.

 

إذاً، تحت هذا السقف، يستعدّ الجميع لمعركة رئاسة المجلس. وبالتأكيد، لن يتراجع الدكتور سمير جعجع وحلفاؤه عن «الوعد» بعدم الاقتراع لبري، لمقتضيات مبدئية. ولكن، ليس واضحاً ما ستكون عليه خيارات النواب الآخرين، الحاملين عناوين «التغيير» و»المستقلّون»، إذ إنّهم ليسوا مجرَّبين بغالبيتهم.

 

ويخطّط «الثنائي الشيعي» لاجتذاب هؤلاء، كل على انفراد، واستخدام الإغراءات مع بعضهم، بحيث تتضارب المصالح ويتعطّل أي ترابط في ما بينهم. ومن ذلك مثلاً، إغراء النائب عبد الرحمن البزري بموقع رئاسة الحكومة، ومعه حليفاه في اللائحة أسامة سعد وشربل مسعد، فيما يتحمَّس آخرون لنواف سلام.

 

ولكن، في المقابل، هناك مَن هو جاهز لعقد الصفقة مع «الثنائي»، لكنه يبحث عن الثمن المناسب. وهذا هو حال رئيس «التيار» جبران باسيل الذي قال بوضوح: «عم يسترخصونا» بالمقايضة على موقع نائب رئيس المجلس. وفي هذه النقطة تحديداً يبدو كلام باسيل منطقياً. فموقع نائب رئيس المجلس بروتوكولي وليست له أي فاعلية واقعياً، أي هو مجرّد لقب.

 

ولذلك، طرح باسيل مقايضات «وازنة»: اللامركزية الإدارية الموسَّعة، تعديل النظام الداخلي للمجلس، الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتغيير حاكم مصرف لبنان المركزي. ولكن، في العمق، المقايضة الحقيقية التي يرمي إليها باسيل هي: رئاسة الجمهورية. ولذلك، هو ينادي بأنّ كتلته ستتألف من 21 نائباً بانضمام «الطاشناق» اليها، وقد ترتفع إلى 23 إذا تمّ القبول بطعون يجري تحضيرها.

 

من أجل موقع الرئاسة فقط، باسيل مستعدّ لمساومة بري. ولاستكمال الصورة، هو طرح تعديل الدستور لتكون أمام رئيس الحكومة المكلَّف مهلة شهر فقط من أجل تشكيلها. فبهذا الطرح هو يريد استعجال إنجاز الصفقة، لأنّ ولاية الرئيس ميشال عون باتت على وشك الانتهاء. وفي أي حال، عون لن يتيح الفرصة لولادة أي حكومة ما لم يضمن الحصة.

 

في الواقع، يبدو اعتراض باسيل على احتكار بري لموقع رئاسة المجلس مستهجناً في نظر كثيرين. فهو نفسه كان راضياً طوال سنوات بنفوذ حليفه، «حزب الله»، على كل شيء وعلى الجميع، ووافق على رعايته الواقع السياسي حتى داخل الطائفة المارونية.

 

وقبل أسابيع قليلة، تمكَّن السيد نصرالله من القيام بما لا يستطيع فعله إنسان آخر، إذ جمع قطبي الموارنة المفترض أنّهما مرشحان لرئاسة الجمهورية، باسيل وفرنجية، على إفطار عشية الانتخابات. وبهذا سيكون لـ»الحزب» فضل على أي من «الرئيسين» إذا حالفه الحظّ.

 

كما أنّ باسيل لا يستطيع الاعتراض على رغبة «حزب الله» في اختيار بري رئيساً للمجلس، لولاية جديدة، فيما هو يريد من «الحزب» نفسه أن «يختاره» رئيساً للجمهوية، وأن يوفّر له دعم بري في هذه المسألة. وعلى الأرجح، سيضع فريق عون «بيضَه» في سلّة «الحزب» مجدداً ويطلب إليه «توزيع الأرزاق». فإذا حصل ذلك، سيذهب باسيل بكل سرور الى انتخاب بري.

 

أي، إنّ باسيل لا يعترض على مبدأ «الأحادية» في اختيار بري رئيساً للمجلس، إنما هو يريد المقايضة بين الأحادية الشيعية في المجلس والأحادية المارونية في رئاسة الجمهورية. وفي أي لحظة، تنتهي اعتراضات باسيل على بري، إذا تمَّت هذه الصفقة.

 

في هذه الحال، يصبح توفير نصاب الغالبية المطلقة لانتخاب بري أمراً متيسّراً: النواب الشيعة وحلفاؤهم وكتلتا باسيل وجنبلاط و»مستقلون». وقد يساهم بعض قوى المعارضة و»التغييريين» في تأمين النصاب، تحت عنوان أدائهم للواجب الدستوري، ولو لم يصوِّتوا لبري.

 

إذاً، سيضغط الوقت على «حزب الله» لإبرام صفقة معينة ترضي «التيار» وتمرِّر «قطوع» رئاسة المجلس خلال أسبوعين. ولكن، ثمة مَن يعتقد أنّ «الكباش» قد يُطول أكثر من ذلك. فاللعبة لم تعد بسيطة إلى هذا الحدّ، ولم تعد طموحات باسيل واقعية كما كانت قبل الانتخابات وما أفرزته من متغيّرات.

 

وسيكون على «الحزب» أن يساعد باسيل على النزول من شجرة التصعيد التي تسلَّقها، لأنّ سقوطه من الأعلى سيصيب الفريق كلّه بخسائر إضافية.