IMLebanon

العفو العام والبازار الانتخابي  

تثار منذ فترة مسألة العفو العام عن الموقوفين والمحكومين بذريعة اولى هي اكتظاظ السجون، وبحجج أخرى مختلفة، سياسية وقانونية واجتماعية. والبارز في هذه المطالبة، انها تأتي قبيل الانتخابات النيابية، والسبب المعلن هو أننا في بداية عهد رئاسي جديد.

الواقع اللبناني اكثر تعقيدا من تشبيهه بما يجري في الدول المتحضرة، فهناك تتعلق المسألة بمحكومين في جرائم عادية صغيرة ومتوسطة، وهذا لا ينطبق كليا على لبنان، عدا عن ان العفو في تلك الدول يستثني المحكومين بقضايا الارهاب، والامن القومي، والجريمة المنظمة (خصوصا تجار المخدرات ).

عندنا تسقط الحجة القانونية القائلة ان العفو يتم بشكل دوري كل اربع او خمس سنوات، كما يجري في فرنسا مثلا. فهذا البلد علق العمل بالقوانين واعلن حالة الطوارىء عندما دهمه خطر الارهاب. وتسقط الحجة الانسانية القائلة بان السجون اللبنانية مزدحمة بالنزلاء في شروط غير انسانية، لان هذه المسألة تعالج بتسريع المحاكمات وبناء سجون جديدة. كما تسقط الحجة الديموقراطية المنادية بالمساواة بين المجرمين «المنحوسين» داخل السجن وبين نظرائهم «المحظوظين» خارجه.

لماذا تسقط هذه الحجج؟

لأن ما يجري من مطالبة بالعفو غير بريء، لا بل هو طرح اجرامي بامتياز، يريد ان يضع في السلة نفسها، من راهن على الجيش والقوى الامنية وحدها لحمايته وصيانة امنه القومي، مع الذين خرجوا عن الدولة واستهدفوا قواها العسكرية والامنية بتناغم وتكامل مع الارهاب القادم الينا من خلف الحدود.

كما انه يضع في السلة نفسها المواطن الآدمي الذي يكتفي بالخبز كفاف يومه، يبذل دمه وعرقه، من أجل تعليم اولاده مثلا، مع تجار المخدرات ومروجيها، ممن بنوا القصور واشتروا العقارات والسيارات الفارهة، من تجارة سهلة تتمثل ببيع سموم دمرت وتدمر يوميا شبابنا. انظروا مثلا الى نسب الانتحار في الفئة العمرية 20 – 30 سنة.

على هذا المستوى، ثمة فئتان من الناس في هذا البلد، فئة الاوادم، وفئة الزعران (ارهاب ومخدرات وجرائم ثأر ..). فاذا كنت من الفئة الاولى فلا بد انك رافض لاخراج جماعة الفئة الثانية من السجون، ليعيثوا في المجتمع قتلا وافسادا.

العفو العام الذي يطالبون به يشمل العشرات او المئات ممن تورطوا مباشرة او غير مباشرة في اعتداءات ارهابية او في اعمال هددت السلم الاهلي مثل: المواجهات المسلّحة في طرابلس، معارك مخيّم البارد وعبرا ضد الجيش، استهدافات عدة لمواقع وعناصر الجيش والجنوب والبقاع،  تفجيرا جامعي التقوى والسلام في طرابلس … ولم يكن ينقص سوى ضم المجرم والارهابي ميشال سماحة الى اللائحة.

ومن جهة ثانية تشمل المطالبة بالعفو أكثر من 4000 مطلوب في البقاع، بنحو 35,000 مُذكّرة توقيف بجرائم سلب وسطو مُسلّح وقتل وثأر عشائري وزراعة وترويج وبيع الممنوعات والإتجار بالمُخدرات.

المؤسف ان لكل فئة من المجرمين جهة سياسية ترفع لواء العفو العام، وقد شهدنا في الآونة الاخيرة، إرتفاعا في وتيرة الضغط السياسي والإعلامي، بالتزامن مع تحريك تظاهرات شعبية وإعتصامات وحتى مع القيام بعمليات قطع طرق، بكل وقاحة، للدفع باتجاه اقرار العفو. وعلى ما يبدو فان المزايدة في هذا الملف الحساس حصان رابح انتخابيا، خصوصا انه يتلون بالطابع الطائفي والمذهبي.

لذلك، وحرصا على هيبة الدولة وعلى مشروعها في العهد الجديد بان تكون فعلا دولة قانون ومؤسسات، وحرصا على سلامة المواطنين، أمنيا واجتماعيا،  ينبغي ارجاء البت بالعفو العام الى ما بعد الانتخابات النيابية، وان يعلن التأجيل رسميا، لتتوقف حفلة المزايدات الرخيصة. وفقط بعد انجاز الاستحقاق النيابي يمكن دراسة هذا الملف دراسة قانونية حقوقية ديموقراطية وانسانية، والبت به حضاريا .. لا طائفيا.